والان، وبعد انتهاء عملية الاستفتاء على الدستور وبقطع النظر عن الظروف التي تمت فيها و بعيدا عن محاولات كل طرف، سواء من أنصار الرئيس أو من معارضيه، قراء تها الأرقام المقدمة وتوظيفها كل من زاويته لتبيان وجاهة رأيه وصحة التمشي الذي اختاره، فان مساريون لتصحيح المسار يرون :
أولا : أنه لا مناص من الاقرار بأن نسبة المشاركة العامة في الاستفتاء كانت متدنية مهما كانت الأسباب المقدمة لتبرير ذلك وهو ما سيحد لا محالة من مشروعية الدستور الجديد ومن مصداقية الرئيس، وذلك مهما ركز أنصاره على نسبة ال”نعم” التي تبقى فعلا مرتفعة ولكن لا بد من تنسيبها باعتبار انها كانت في اطار عملية لم يشارك فيها إلا أقل من ثلث العدد الجملي من المسجلين.
ثانيا : بالنسبة للذين اختاروا مقاطعة الاستفتاء والدعوة لعدم الذهاب الى مكاتب الاقتراع “حتى لا يضفون شرعية على عملية يرفضونها جملة وتفصيلا منذ 25 جويلية 2021″ ، فلا مناص من الإقرار بأن تلك الأطراف – المتباينة بل المتناقضة بين بعضها البعض والتي لم يجمع بينها سوى موقف المقاطعة – لم تتمكن من إبراز موقفها وحجمها حيث لا يمكن تمييز المقاطعين الحقيقيين عن ملايين المواطنين و المواطنات الذين لا يشاركون في الانتخابات منذ سنوات، عزوفا عن الشأن العام أو رفضا للسياسة والسياسيين في ظل تدهور أوضاعهم المعيشية…، إضافة إلى أن عمليات سبر الآراء المختلفة تشير إلى تساوي عدد الداعين الى التصويت ب”نعم” والذين دعوا الى المقاطعة . .
ثالثا : أن جانبا أساسيا من النتائج وقع اهماله عمدا رغم أهميته ،سواء من المعا رضين للرئيس او من انصاره، ونعني بذلك المصوتين ب”لا” ، وكنا من المنادين القلائل لهذا الموقف. فالرقم المعلن (حوالي 150.000) له معان عديدة يجب الوقوف عندها لما تحمله من دلالات بالنسبة للاستفتاء وخصوصا بالنسبة للمستقبل.
إن قرار150.000 تونسي وتونسية التحول الى مكاتب الاقتراع رغم الظروف المناخية، والتصويت بلا رغم الصخب حول النعم والمقاطعة والضغط النفسي والسياسي بفعل الاستقطاب الثنائي الحاد ….يمثل تعبيرا عقلانيا عن رفض الاصطفاف وراء الموقفين الجاهزين ومحاولة من هؤلاء المواطنين إبراز موقف وطني بعيدا عن الحزبيات الضيقة.
ان المشاركة عبر التصويت ب”لا” في هذه المرحلة الانتقالية موقف يستحق كل التقدير والتنويه حيث يمثل إصرارا من كل فرد من هؤلاء المواطنات والمواطنين على القيام بدوره المواطني الواعي الذي يمليه عليه ضميره وتصوره للمصلحة الحقيقية للبلاد، اليوم وغدا، وعلى الإصداع بجرأة ووضوح عن موقفه. إننا على يقين أن مثل هذا الموقف من شأنه أن يمثل في المرحلة القادمة ركيزة للخط الوطني الجامع الذي تحتاجه بلادنا. ولذا فإننا ندعو كل من تبناه إلى العمل على تدعيمه و مراكمته وترسيخه ليكون بمثابة القاطرة نحو ايجاد طريق سالكة تخرج البلاد من المأزق الخطير الذي تردت فيه بسبب الشرخ العميق الحاصل في مجتمعنا والذي ازداد عمقا جراء تصاعد حدة المشاحنات والمناكفات التي طغت على المشهد السياسي في الأشهر الأخيرة.
واليوم وبعد ان اصبح الدستور الجديد امرا واقعا فإننا :
اولا : نحمل رئيس الجمهورية، وقد منح لنفسه وفق الدستور الجديد كل الصلاحيات والوسائل، مسؤولية إيجاد حلول عاجلة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية الحارقة التي نتخبط فيها البلاد والفئات الضعيفة والمتوسطة والشباب بصفة خاصة . كما ندعوه وبكل إلحاح إلى التخلص من نزعة الانفراد بالرأي والقرار والتخلي عن إعداد النصوص في غرف مغلقة و القبول بسلوك نهج التشاور والتشريك الفعلي لا الصوري لكل الأطراف المعنية في كل ما يهم تلك الحلول و كذلك في إعداد القانون الانتخابي المرتقب وكل القضايا المصيرية للبلاد وفق ما تفتضيه وظيفته من ضمان لوحدة الدولة والوطن .
ثانيا : إن الدستور الجديد جعل سلطات رئيس الجمهورية وقراراته خارجة عن كل محاسبة و دون أي سلطة مراقبة – وبقطع النظر على حسن النوايا التي يمكن أن تكون للرئيس- فإن الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وعموم المواطنات والمواطنين مدعوون إلى اليقظة التامة ازاء أي انزلاقات تسلطية أو توجه نحو التضييق على حرية الرأي والتظاهر، (كما تجلى ذلك مؤخرا)، ، وإزاء النزعة الواضحة، من خلال مواقفه المعلنة والآن من خلال نص الدستور، الى الزيغ بالدولة عن طابعها المدني نحو دولة دينية تصبح فيها المكاسب التقدمية مهددة.
ثالثا : ندعو الأحزاب السياسية والقوى الوطنية والديمقراطية– وبقطع النظر عن المواقف المتخذة تجاه الدستور والاستفتاء – الى بداية استخلاص الدروس من تجربة الفترة السابقة و إبراز القواسم والقيم والمبادئ المشتركة التي تجمع بينها و في مقدمتها الحرص المستمر على المصلحة العليا للبلاد و ضمان مستقبل أفضل لأبنائها وبناتها.
رابعا: وفي هذا الإطار، فإننا نؤكد تمسكنا بسيادة القرار التونسي ورفضنا القطعي لكل تدخل لدول أجنبية في شؤوننا الداخلية مهما كانت درجة الصداقة وعلاقات المصلحة التي تربطنا بهذا الطرف أو ذاك. ونعتبر أن النضال من أجل احترام حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية طبقا للمواثيق الدولية المجمع عليها عالميا مهمة موكولة للقوى الديمقراطية التونسية، السياسية منها والمدنية، التي تزخر بها بلادنا .
شارك رأيك