إن الالتجاء إلى ألفاظ الملابس الداخلية كما حصل مع السيدة عبير موسي هو ابتذال و خدش للحياء و استعمال ألفاظ فضلات الإنسان كما حصل في العرض الأخير أو التفوه بألفاظ نابية متصلة بالأحوال و المقامات أو إثارة الغرائز هو تعبيرعن إفلاس إبداعي معلن. إن صناعة المحتوى الإبداعي الراقي و الهادف لا يمكن أن تتم بأشخاص فاشلين مثل لطفي العبدلي لأنه لا يملك أقل القليل من الأدوات و المهارات و الذوق التي تؤهله فعلا لحمل لقب فنان.
بقلم أحمد الحباسي
ما بين الإبداع و الابتذال شعرة لم يستطع السيد لطفى العبدلي الانتباه إليها رغم كل التحذيرات المتواصلة التي رافقت كل شطحاته المسرحية لنجد أنفسنا و مرة أخرى بفضل العرض المسرحي ” في سن الخمسين أقولها كما أعنيها” الذي قدمه مساء الأحد الفارط على ركح المسرح الصيفي سيدي منصور بصفاقس أمام مستنقع من الألفاظ السوقية و التعابير الهابطة و الإيحاءات الجنسية القبيحة التي ترفضها الذائقة المتبصّرة و ليس البعض من هؤلاء المتفرجين الذين اقتطعوا تذاكرهم ليس لمشاهدة مسرحية و عمل فني إبداعي مكتمل الزوايا و الأركان بل لمشاهدة عرض إباحى رديء الذوق و الإخراج يجعلنا نطرح عديد الأسئلة حول أسباب رغبتهم فى متابعة هكذا عروض و منهم سيدات متحجبات و شيوخ في خريف العمر كان من الأجدر أن يقضوا أوقاتهم في شؤون أخرى تليق بدينهم و بسنهم و لا تجلب إليهم السخط و الامتعاض في وقت تهاوت فيه القيم و انحدرت بشكل مريع.
الاستخفاف بوعي المتلقي
الظاهر من متابعة حوارات السيد لطفي العبدلى أنه يريد تقديم نمط مسرحي مختلف يعتمد الإسفاف كلغة يتحاور بها مع المتلقي من باب المقولة الشائعة “بضاعتك ردّت إليك” بمعنى أنه يعتبر ما ينطق به البعض من ألفاظ نابية و عبارات هابطة في الشارع هي اللغة الرسمية و الأساسية لكامل فئات الشعب التونسي وهو إسقاط و اتهام خطير لا أساس له من الصحة لأن المجتمع التونسي رغم كل هنّاته و خروجه عن النص في بعض الأحيان يبقى مجتمعا عربيا مسلما متدينا متمسكا بالأخلاق و التسامح إلى جانب صفات حميدة عديدة أخرى.
من هنا يمكن اعتبار السيد لطفي العبدلى من داعمي الابتذال و الاستخفاف بالقيم الراسخة يضاف إلى قائمة طويلة من أعداء الدين و المشككين بثوابته القيّمة و من هؤلاء المرتزقة الذين يستخفون بوعي المتلقي و بما يكتنزه من ثقافة و تاريخ.
الظاهر أيضا أن هناك موجة مخيفة تجتاح الوسط الفني تريد تقديم مثل هذا الابتذال لتجعل من هذا التدني الذوقي القاعدة و ليس الاستثناء كلل ذلك باسم “الجمهور عايز كده”.
لقد فتح المجال لكل من هبّ و دبّ لدخول المجال الفني و تم استغلال حرية التعبير و حرية الإبداع بطريقة عشوائية سيئة.
تونس سيد العبدلى ليست امرأة مومس كما تصر على تقديمها و لا مزرعة مخدرات و لا مجرد حانات أو مواخير و لا هي مجتمع بلا دين أو ضوابط و وجود بعض الانحرافات الفردية و المشاكل اليومية و بعض السلبيات لا يمكن أن ترتقي إلى أن تجعل من الحبّة قبّة و تصويرها بشكل غاية في الرداءة و الابتذال.
إن حرية الإبداع لا تعني ضرورة تجسيد الظواهر السيئة التي يفرزها المجتمع و العزف الخبيث على أوتار الشهوة و التغريد خارج سرب المعايير التي ارتضاها المجتمع لأن الإبداع بالعكس هو سموّ أخلاقي و صراع لتقديم فن راقي يسمو بخيال و عاطفة و تفكير المتلقي ليجعله يراجع كثيرا من أخطائه .
إن حرية التعبير هي مهمة نبيلة يراد منها البحث عن حلول مبتكرة لمشاكل المجتمع بطريقة فيها الكثير من رفعة النص و كم من أفلام على سبيل المثال تناولت مواضيع حساسة بشكل جريء دون اللجوء إلى الابتذال و الركاكة و خدش للحياء.
فضيحة لغوية هابطة
لقد شكّلت “مسرحية” السيد لطفي العبدلي التي تابعها الكثيرون لأسباب مختلفة، طبعا لا أقصد بالمسرحية تلك الفضيحة اللغوية الهابطة التي لوّكها بمنتهى البلادة هذا الرجل على مسامع من كانوا بالمسرح بل تلك “المسرحية” التي خطط لها أن تقع عندما ضمن النص عبارات غير أخلاقية مع إيحاءات جنسية فاضحة طالت الحكومة و رئيس الجمهورية و المؤسسة الأمنية و رئيسة الحزب الدستوري الحر السيدة عبير موسى بالإسم قصد الإيحاء دون دليل مؤكد بكون المتفرجين الذين عبروا عن امتعاضهم من العبارات المنحطة المنثورة على لسانه بكل قبح و رداءة أخلاقية هم من أنصار هذا الحزب، نعم، لقد شعر الرجل منذ فترة طويلة أنه منبوذ و لا يقدم فنا محترما و أن بقية الفنانين قد تجاوزوه من حيث القبول و الإقبال و لذلك لم يجد من الحل إلا اختلاق معركة دونكيشوتية سيئة المنطق و الإخراج لادعاء أنه مطارد فكريا و أن هناك قيودا رسمية على حرية الإبداع و الحال أن هذا الادعاء غير صحيح و الساحة تعج بالنصوص الهادفة التي تنتقد كل المظاهر الاجتماعية بعنف ليس له مثيل لكن في غاية الاحترام و السموّ اللفظي.
لقد شكلت هذه “المسرحية ” الثقيلة الدم مناسبة لبعض أشباه الفنانين و المتسلقين و جماعة الدق على الساخن في بعض الإذاعات المشبوهة التمويل و الخط التحريري و الحسب و النسب لكشف عورات تفكيرهم و هابط مبادئهم و من بين هؤلاء المتباكى دوما السيد جعفر القاسمي الذي لم يتورع عن قصر تعبيره عن الألم الذي يشعر به إزاء ما حصل لفنان المسرح الخرائي – مع الاعتذار منكم على اللفظ – و لم تشأ قريحته المتهرئة بفعل كم المواقف السلبية المخجلة التي دونها لسانه اللئيم في ذاكرة التونسيين أن ينبس ببنت شفة تجاه ما تعرض له الأمنيون و جانب من المتفرجين من سقوط لفظي مسهم و مسّ عائلاتهم و مسّ الذائقة الفنية الرفيعة.
قاموس الشتائم المقززة و رداءة و فاحش التعبير
بطبيعة الحال هذا الهراء ليس جديدا على هذا المتسلق الانتهازي وهو الذي سبق له مساندة مغنى الراب كلاي بى بى جى حين أطلق تلك المعلقة “الرابية” التي تضمنت كوكتالا من القذارة اللفظية ضد المذيعة السابقة السيدة بية الزردي و لم يكلف نفسه الأخذ بخاطرها إزاء ما تعرضت له كسيدة و كمواطنة.
لا شك أن أولائك الذين يضمنون أعمالهم المسرحية ألفاظا بائسة من قاموس الشتائم المقززة و رداءة و فاحش التعبير هم من عجزوا على تحويل عداءهم لأشخاص أو لمواقف أو أحداث إلى نسيج فني إبداعي مقبول من الأغلبية و باتوا مجرد أصوات نشاز تردد الهبوط و الحوار المنكر بتعلة أن الجمهور عايز كده و بالنظر إلى الألفاظ الداعرة التي يسوّقها السيد لطفي العبدلي تحت مبرر أن الابتذال مقطع متداول من لغة الشارع فيمكن القول دون مواربة أن الرجل يستغل غباء البعض و قلة انتباههم إلى خطورة هذه البضاعة المغشوشة التي يتم تداولها و التي تنضح بما جادت به قريحته الأمّارة بالسوء مستغلة سوء استغلال ما يسمى حق المبدع في التعبير.
إن الالتجاء إلى ألفاظ الملابس الداخلية كما حصل مع السيدة عبير موسي هو ابتذال و خدش للحياء و استعمال ألفاظ فضلات الإنسان كما حصل في العرض الأخير أو التفوه بألفاظ نابية متصلة بالأحوال و المقامات أو إثارة الغرائز هو تعبيرعن إفلاس إبداعي معلن. إن صناعة المحتوى الإبداعي الراقي و الهادف لا يمكن أن تتم بأشخاص فاشلين مثل لطفي العبدلي لأنه لا يملك أقل القليل من الأدوات و المهارات و الذوق التي تؤهله فعلا لحمل لقب فنان.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك