هل حان الوقت لنطلق السؤال : من يحكم تونس الآن؟ بطبيعة الحال نحن لا ننطلق في طرح هذا السؤال الحرج و المهم من فراغ و لسنا بصدد الصيد في المياه العكرة بل نحن نحاول فهم ما يقع بعد إن اختلط الحابل النابل و لم يزد غياب الرئيس قيس سعيد عن الإعلام و مكاشفة الشعب بما يحدث و إنارة الرأي العام حول عديد الملفات الحارقة التي بقيت حبيسة أدراج القصر أو أدراج بعض الوزارات من بينها وزارتي الداخلية و العدل إلا غموضا و ارتباكا و إشاعات.
بقلم أحمد الحباسي
لعل أول الاستنتاجات التي يمكن طرحها على المتابع بعد مرور هذه الفترة الرئاسية من حكم الرئيس قيس سعيد أن الرجل ليس في مستوى المهمة و ليس قادرا على مسايرة النسق السريع جدا الذي تتطلبه مشاكل البلاد و الحكم الناجز.
ثاني الاستنتاجات أن الرئيس لا يملك الرؤية و الحنكة و الخبث السياسي عند اختباره للكوادر التي يكلفها بشغل المناصب الحساسة.
ثالث الاستنتاجات أن الرئيس ليست له أية دراية و لو بسيطة بمتطلبات الدبلوماسية و السياسة الخارجية وهو يتخبط فى قرارات عشوائية لامست العبث.
حديث و همز و لمز و هرج و مرج
نعيد السؤال : من يحكم تونس ؟ فى الظاهر و خاصة بعد استفتاء 25 جويلية الماضي فإن كل السلطات قد تجمعت في يد رئيس الجمهورية السيد قيس سعيد و فى الظاهر أيضا أن حكومة السيدة نجلاء بودن ليست إلا حكومة تسيير أعمال خاضعة في كل قراراتها و في حلّها و ترحالها لقرارات و متابعة السيد الرئيس و في الظاهر أخيرا أن تونس قد تخلصت مما اصطلح على تسميتهم “بالطرابلسية” من أقرباء زوجة الرئيس الراحل زين العابدين بن على لكن الحقيقة العارية ليست ذلك بدليل أن هناك حديث و همز و لمز و هرج و مرج حول موقع السيدة وزيرة العدل التي ينسب لها من باب الحقيقة أو الباطل كونها تعمدت من باب رغبتها في تصفية الحساب مع بعض القضاة أن تقدم قائمة مغلوطة للرئيس دفعته للتسرع بإصدار أمر بإعفائهم قبل التثبت و التروي ليأتي قرار المحكمة الإدارية القاضي بإيقاف تنفيذ هذا القرار بمثابة الدش الأسكتلندي البارد و يعطى لمعارضي الرئيس فرصة ذهبية للمطالبة برأس الوزيرة.
لعله يمكن أن نطلق على ما حدث في صفاقس منذ أيام قليلة عنوان “فضيحة دولة” و لعله بمتابعة دقيقة و متأنية لما حدث و لما جاء من تصريحات و بيانات يؤكد أن تونس قد أصبحت جمهورية موز بامتياز و لكل مسؤول مواقفه المختلفة عن مواقف قيادته أو من يرأسهم و ما جاء على لسان السيد والي صفاقس من تناقض صارخ مع بيان وزارة الداخلية يغنى عن كل تعليق و يؤكد أن تونس تعيش عصر اللامركزية في إصدار القرارات و كل مسؤول يغنى على ليلاه دون الرجوع إلى قيادته المركزية حتى من باب التنسيق.
تمرد النقابات الأمنية كاد يؤدى إلى كارثة
ما حدث في صفاقس من تمرد النقابات الأمنية كان سيؤدى إلى كارثة لو زادت حدة النزاع بين مؤيدي صاحب العرض و معارضي الابتذال و من حاول السيد لطفي العبدلى الإيحاء بكونهم من مناصري “عبير” في إشارة غير بريئة لرئيسة الحزب الحر الدستوري.
من الواضح أن السيد والى صفاقس قد كان فاقدا تماما للحس الأمني و لم يكلف مصالحه الأمنية بتقديم تقرير حول احتمالات وقوع أحداث عنف أثناء العرض المذكور خاصة و أن مواقف صاحب العرض معروفة و هناك حساسيات معلومة.
لا ينكر المطلعون عن قرب العلاقة المتوترة بين شيخة مدينة تونس السيدة سعاد عبد الرحيم المعروفة بولائها المطلق لحركة النهضة و بين والى تونس السيد كمال الفقى المعين من طرف الرئيس قيس سعيّد الذي لم يتورع في إحدى تصريحاته عن اتهامها بضرب وحدة الدولة و تعطيل المصلحة العامة و تخريب أعمال تنموية تهمّ المواطنين وهي اتهامات تؤكد وجود صراع معلن له خلفيات معينة تتعلق باحتدام المعركة بين شيخ الإخوان و ساكن قصر قرطاج كما لا ينكر المطلعون وجود توتر بيّن بين والى بن عروس السيد عزالدين شلبى و رئيس بلدية الكرم السيد فتحي العيونى خاصة أن هذا الأخير قد تفوّه بعدة تصريحات مستفزة تجاه الرئيس قيس سعيّد مما استوجب تغيير الوالي السابق لتنصيب الوالي الجديد المعروف بحدّته و دفاعه المستميت عن الرئيس وهو مؤشر يؤكد أن التعيينات قد تحولت وسيلة لمواجهة عديمة الجدوى بين مرشد الإخوان و رئيس الفيسبوك.
لعله من المظاهر المزرية لحكومة السيدة نجلاء بودن وجود وزير للتربية اسمه فتحى السلاوتى لا يخضع لسلطة أحد و يدير الوزارة على “زىّ رأسه” كما يقال.
هذا الوزير لم ير حرجا و لم يخجل تاركا الآلاف من المعلمين النواب بلا مرتبات في مواجهة احتياجات معيشتهم و متطلبات عائلاتهم من بينها عدم قدرتهم على شراء كبش العيد مع ما ينجر عن ذلك من بخس أبنائهم فرحة العيد.
لم يخجل الوزير من اقتطاع جزء مهم من مرتبات هؤلاء المربين دون موجب مما يشكل سرقة موصوفة تمّ تغليفها بالقانون في تصرف ينسف كل شعارات الرئيس حول اهتمامه بضعاف الحال و الحال أن الدولة نفسها هي من تنهب حقوق المربي دون وجه حق و تحت ادعاء زائف في حق الاقتطاع باسم الرعاية الاجتماعية.
البلاد تحت رحمة حكومة فاشلة بالطول و بالعرض
بطبيعة الحال لا أحد يهتم بتصرفات وزير مثل هذا الوزير و لا أحد قادر بدءا بالرئيس وصولا لرئيسة الحكومة على حل ملف المعلمين النواب خاصة بعد أن جعل الاتحاد من هذا الملف ملف مساومة حول تسوية ملفات أخرى.
هل سيقدم الرئيس على إعفاء وزيرة العدل و هل ستدفع السيدة ليلى جفال ثمن ثقتها وعملها على إرضاء الرئيس حتى لو تطلب الأمر حقنه بمعلومات خاطئة و لماذا لا تقوم رئيسة الحكومة بتقويم سلوك وزيرها الفاشل السيد فتحى السلاوتى و تعالج المظلمة التي يتعرض لها المعلمون النواب؟
لماذا لا يتم لفت نظر وزير الداخلية إلى حالة الفوضى العارمة التي تتسبب فيها تصريحات الولاة؟ لماذا يعيش وزير الرياضة في عالم و السيد وديع الجرى رئيس جامعة كرة القدم كل في عالمه الخاص متجاهلين المصلحة العليا للرياضة التونسية؟
هل من المنطقي و المعقول أن تبقى البلاد تحت رحمة حكومة فاشلة بالطول و بالعرض و متى سيقوم الرئيس بدوره كاملا في تقديم رؤية اقتصادية سياسية اجتماعية رياضية فنية واضحة و متى سيتم إصلاح العطب الذي أصاب الدبلوماسية التونسية بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب مع رؤية واضحة للخط الدبلوماسي التونسي الذي سارت عليه الدبلوماسية التونسية منذ عهد الرئيس الراحل الزعيم الحبيب بورقيبة.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك