مسألة التحقيق في مصير القروض و الهبات الدولية لتونس خلال العشرية الفائتة التي أثارها الرئيس قيس سعيد مع ممثلي الحكومة أثارت عديد التساؤلات و غبارا من الاتهامات في شبكات التواصل الاجتماعي لكن المسالة لم تطرح ضمن الأطار الصحيح وهو مسار هذه التمويلات و مألاتها في أروقة الإدارة العمومية. (الصورة : قيس سعيد يسأل مروان العباسي و سهام نمسية عن مصير الديون و الهبات).
بقلم بوراوي بن عبد الحفيظ
المسألة معقدة أكثر مما ترائى لبعض الخبراء الجامعيين ممن قرأت لهم فهي تتطلب الرجوع إلى اتفاقيات التمويل لكل عملية هبة و قرض لتتبين إجراءات و قواعد التصرف و المراقبة الخاصة بكل منها إذ أنه ليست كل الهبات تدرج بالميزانية ثم أن كل هذه العمليات ترجع في الإشراف عليها و متابعتها في المقام الأول إلى الوزارة المكلفة بالتعاون الدولي و بالتالي فإن عمليات التدقيق بشأنها تتطلب أولا الرجوع إلى هذه الوزارة ثم إلى وزارة المالية بخصوص خاصة القروض التي حتما تدرج بالميزانية لوجوب الترخيص فيها مسبقا من قبل المجلس النيابي و تخضع إلى قواعد التصرف في الميزانية من حيث الصرف و الإرجاع مع الفوائض و ذلك بخلاف الهبات التي في غالبها تكون موضوع اتفاقيات تمويل مبسطة مع الحكومة أي ما يعبر عنها بالاتفاقيات ذات الصبغة الفنية و التي لا تخضع لموافقة المجلس النيابي المسبقة و تخرج في جانب كبير عن قواعد المحاسبة العمومية الاعتيادية و هي هبات بمعنى لا ترجع مثل القروض إلى مانحها.
و في مجمل الأحيان فإن قواعد التصرف و المراقبة و التنفيذ مبينة بهذه الاتفاقيات الفنية و التي تدرج بها القواعد الإجرائية التي تفرضها الجهة المانحة للهبة و هو أمر منطقي لطابعها المجاني أي ان الجهة المانحة هي التي تكون سيدة الموقف بهذا الخصوص و إلا فإنها تعرض عن منح الهبة.
و عودة إلى موضوع التدقيق فعلاوة على الوزارة المكلفة بالتعاون الدولي و الوزارة المكلفة بالمالية فإن الأمر يتطلب الرجوع أيضا إلى مختلف أجهزة الرقابة المالية و في مقدمتها محكمة المحاسبات لإجراء مختلف التقاطعات و المقاربات و المراقبة و ذلك للخروج بالنتيجة المرجوة.
يبقى في الأخير أن هنالك صنف من الهبات تمنحها الجهات المانحة بطريقة مباشرة إلى مختلف الجمعيات و المنظمات غير الحكومية أو ما يسمى بمكونات المجتمع المدني و ذلك باتفاق مباشر مع كل منها و التي غالبا يصعب مراقبتها إلا بواسطة مراقبة التحويلات عبر البنك المركزي و مختلف مكونات المنظومة البنكية الوطنية و خاصة عن طريق رقابة حسابات هذه الجمعيات و المنظمات و طرق تمويلها…
مستشار قانوني مستقل.
شارك رأيك