الرئيس الأامريكي الأسبق جورج بوش الإبن لم يخجل حين سأل بمنتهى النفاق و الإسفاف متحدثا عن العرب : لماذا يكرهوننا ؟ وقد كان يعلم أن “العدالة” على الطريقة الأمريكية طالت المصالح العربية في كل أرجاء الوطن العربي بحيث أصبحت الشعوب العربية لا ترى في أمريكا إلا الشيطان الأكبر.
بقلم أحمد الحباسي
لا أهتم صراحة كيف تم قتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري و لا من كان يمثّل هذا المجرم و من كان يموّل مشروعه الإرهابي كما لا أعتبر قاتلا على الهوية تلطخت يداه بدماء المئات من الأبرياء حول العالم نتيجة التفجيرات التي كان يأمر بتنفيذها في الأماكن العامة الآهلة بالمدنيين شخصا يستحق الحياة، ربما يجد الرجل للأسف الشديد في بعض الميليشيات الدينية المتطرفة في تونس من ذرف بعض دموع الحرقة حزنا و كآبة على رحيله المفاجئ و ربما تابعت الأجهزة المختصة لوزارة الداخلية بعض البيانات و التصريحات و التهديدات التي عجّت بها مواقع هذه الميليشيات الدموية التي غرست أنيابها في الجسد التونسي المنهك لكن الثابت أن الأرض قد تنفست الصعداء برحيل هذا الورم الخبيث الذي شوّه القيم الإسلامية السمحاء و أساء للمغزى الحقيقي لمفهوم الجهاد و بات مجرد إرهابي و قاطع طريق و مرتزق يأتمر بأمر بعض الدول الخليجية التي باتت مجرد محميات صهيونية تديرها و تحميها أجهزة الموساد و عملاء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
العدالة في قاموس الكاوبوى الأمريكي؟
ما جرني للحديث عن أيمن الظواهري هو التصريح المستفزّ و القبيح الذي جاء على لسان الرئيس الأمريكي جو بايدن لحظات قليلة و بمجرد تنفيذ القوات الأمريكية الخاصة عملية اغتيال الرجل بدم بارد و باستعمال أحدث تقنيات الرصد و الاستهداف الالكترونية في إعادة شبيهة لتصريح الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بمجرد توصل فريق من قوات المارينز إلى منزل زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن الموجود تحت حماية خاصة من رئيس المخابرات الباكستانية و الذي اتهمته وسائل الإعلام في وقته “ببيعه” للرجل و خيانة التاريخ المشترك لممارسة الإرهاب بين هذه المخابرات و بين القاعدة التي كانت تمثل أداة غليظة في يد المخابرات الأمريكية بقيادة رئيسها الراحل ادغار هوفر لضرب وجود القوات الروسية التابعة للاتحاد السوفييتي السابق زمن الحرب الباردة.
نطق الرئيس الأمريكي بعبارته الشهيرة مشيرا إلى عملية الاغتيال “لقد تحققت العدالة” – هكذا –. طبعا لا يهمنا مجددا ما حدث للظواهري فنهايات الإرهابيين متوقعة و معلومة لكن عن أي عدالة يتحدث جو بايدن و ما هو مفهوم العدالة في قاموس الكاوبوى الأمريكي؟
ربما تشدق الرئيس جو بايدن مرة أخرى بما أطلق عليه سفاهة و نفاقا مفهوم “العدالة” لكن يجب أن نتساءل أين كانت هذه “العدالة” حين تم ذبح الهنود الحمرعلى يد عصابات الوجوه القاحلة (visages pâles) و حين تم سحل الزنوج الذي تم خطفهم من إفريقيا، ما هو مفهوم “العدالة” حين تم إلقاء القنبلة النووية على اليابان لقتل ملايين الأبرياء و حين تم شنّ حرب ظالمة على فيتنام تركت عقدة لم تندمل في مخيلة الجندي الأمريكي كما تمّ توصيفها في فيلم “أبوكاليبس ناو” للمخرج الأمريكي الكبير فرانسيس فورد كوبولا.
لقد سأل الرئيس الأمريكي ليندون جونسون هل كانت فيتنام تشكل خطرا على أمريكا فكان ردّه القبيح إن تلك الحرب قد فرضتها المصالح و حتى لا تقفل المصانع الحربية و تتصاعد نسبة البطالة.
هل كان غزو العراق و قتل الملايين هدفه تحقيق “العدالة “؟ كيف تعاملت “الديمقراطية” الأمريكية مع حرية الإنسان في سجن غوانتنامو و أبو غريب؟ كيف سخرت المخابرات الأمريكية سجونا في بلغاريا و الأردن لاستجواب المعتقلين بطرق وحشية أسالت كثيرا من الحبر؟
عدالة “القتل المشروع” باسم المصالح
لا شك أن الرئيس جو بايدن قد ننتبه متأخرا و عضّ أصابعه ندما على اغتيال أيمن الظواهري، مشاعر الحسرة ليست لكونه قد استعاد شيئا من إنسانيته المفقودة بل لأن توقيت الاغتيال لم يكن مدروسا خاصة أنه يعاني من تدني شعبيته بصورة غير مسبوقة و كان من الأجدى أن يأمر باغتيال الظواهري قبل بدء الحملة الرئاسية بقليل حتى يضمن إعادة انتخابه. على الأقل هذا ما فعله و أراده الرئيس باراك أوباما حين أعطى الأمر باغتيال أسامة بن لادن بعد مشورة وزيرة خارجيته سيئة الذكر كوندليزا رايس و رئيس المخابرات جورج تينت و لكن حساب الحقل لم يوات حساب البيدر و سقط الرئيس القاتل في الانتخابات ليصعد مجرم آخر أسمه دونالد ترامب لم يتورع أن يكون من أول قراراته القذرة إعلان القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيونية و نقل السفارة الأمريكية إليها في استفزاز مقرف لمشاعر عائلات آلاف الشهداء الفلسطينيين.
“من ليس معنا فهو ضدنا” هذا هو الشعار الذي رفعه المجرم جورج بوش الإبن عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، هذا الشعار يلخص بمنتهى الدقة مفهوم “العدالة” عند صانع القرار الأمريكي لذلك تم ضرب العراق تحت علة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل و اغتيال الرئيس صدام حسين بتلك الطريقة الوحشية التي شارك فيه مستشار الأمن القومي العراقي موفق الربيع أحد عملاء أمريكا الذين جاؤوا للعراق على ظهر الدبابات الأمريكية.
مفهوم “العدالة” الأمريكية تمّ تطبيقه على سوريا حين أصدر الكونغرس تحت ضغط اللوبي الصهيوني ما سمى بقانون “محاسبة سوريا” و بتعاون معرئيس الحكومة اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
مفهوم “العدالة” على الطريقة الأمريكية طال المصالح العربية في كل أرجاء الوطن العربي بحيث أصبحت الشعوب العربية لا ترى في أمريكا إلا الشيطان الأكبر لكن مع ذلك لا يستحى الرئيس جورج بوش الإبن و لا يخجل حين يسأل بمنتهى النفاق و الإسفاف متحدثا عن العرب : لماذا يكرهوننا ؟
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك