هناك في تونس من يرى يتوهم أن الرئيس قيس سعيد هو عدو الإخوان المسلمين و أنه قهر حركة النهضة في تونس و في الحقيقة أنهم هم اللذين أوصلوه إلى قصر قرطاج وهو يعول عليهم كثيرا في المستقبل كي يساعدوه على البقاء في سدة الحكم. العدو الحقيقي و التاريخي للإخوان في تونس كانت و ستبقى عبير موسي قاهرتهم الحقيقية.
بقلم أحمد الحباسي
وصفها مرشد الإخوان راشد الغنوشى بكونها مجرد سحابة صيف ستمر سريعا و لم يكن هناك من يقتنع بأن هذه السيدة التي تسلمت دكانا مهجورا أسمه الحزب الدستوري الحر ولاقت في وقتها كثيرا من علامات الاستهزاء و الاستخفاف ستصبح رقما صعبا في المشهد السياسي التونسي و تشكل أشهر سياسية تتعامل معها وسائل الإعلام الأجنبية بكثير من الاحترام.
حين سقط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي انقلب الكثيرون و من بينهم أغلب المحامين التجمعيين الذين طالما كان لحم أكتافهم من خير التجمع و الذين رأينا عينة منهم يسلطون عليها هجومات لاذعة متهمين إياها بكل التهم الجزافية الكاذبة و المغرضة كما رأينا عينة من المحامين اليساريين الذين لهم ملفات فاضحة لدى وزارة الداخلية يتحولون إلى مساندين إلى زمرة محامي حركة النهضة أو ما يسمى بالإسلام السياسي في ذلك الاعتداء الهمجي المتوحش على الأستاذة عبير موسى في تلك الجلسة العلنية بالمحكمة الابتدائية بتونس و التي تناقلتها وسائل الإعلام بكل التفاصيل.
المشهد السوريالي القذر
لم تنقلب السيدة عبير موسى على النظام السابق و لم تنكر علاقتها به أو أنها كانت كادرا من كوادر التجمع بل أنها سارعت دوما لتحمل المسؤولية بكل ثبات و شجاعة و بالذات في تلك الظروف السيئة التي مارست فيها مييليشيات حركة النهضة التكفيرية كل أشكال الترهيب ضد معارضيها و التي خرج فيها السيد برهان بسيس متنكرا في سفساري مقسما بأغلظ الأيمان الكاذبة بأنه قد طلّق السياسة طلاقا بائنا بالثلاثة غير أنه ما لبت أن قلب الفيستة كما يقال بمباركة حركة النهضة ليصبح أحد غلمانها و أكثر المنتقدين الشرسين للسيدة عبير موسى في مشهد سوريالى قذر.
تدرك هذه السيدة أن معركتها الأساسية و الحيوية هي المعركة التي يجب أن تخوضها بنجاح ضد كامل منظومة الإسلام السياسي الذي تمثله حركة النهضة و الذي وصفتها بالورم الخبيث الذي يجب التعجيل باستئصاله حتى لا يتمدد في جسد الوطن كما تدرك أن هذه المعارضة يمكن أن تكلفها حياتها وهي لا تنظر لكل التحذيرات باستخفاف بل بإيمان شديد في الله.
ربما لا تعبر السيدة عبير موسي بصراحة كاملة عن بعض مشاعرها و مواقفها تجاه بعض الأحداث أو الشخصيات وهو تكتيك سياسي مطلوب و هذا حدث مع ذلك السقوط الأخلاقي و اللفظي الذي أراد السيد لطفي العبدلى أن يسيء لها و لعائلتها في تصرف لئيم لا يقوم به فنان محترم كما تميزت بنوعية خطابها البعيد عن الثلب و التشويه تجاه كثير من رموز السياسة درجة عاشرة في تونس من أمثال حمة الهمامي و عياض اللومي و أسامة الخليفي و رضا بلحاج و محمد الغرياني و ألفة الحامدي و آخرهم المدعو المنصف الشريقي معتبرة أنها لا تناقش و ترد على ممثلين حركة النهضة و أتباعها بل مع مرشد الحركة الشيخ راشد الغنوشى و هو ما يمثل ثقة واضحة في النفس و تقزيما صريحا لهذه الشخوص.
هذه الثقة هى التى جعلت عبير موسي تختار مقارعة المرشد و الحركة مباشرة بحيث استطاعت بحنكتها و جرأتها و قوة حجة خطابها أن تسقط جدار الخوف الذي استعملته الحركة لترهيب خصومها و اغتيال البعض منهم مما نقل معركة الشك في قيادة الحركة إلى قيادات الصف الأول الذين طالبوا بتنحي شيخ الإخوان.
من الواضح أن هناك خلافا معلنا بين السيدة عبير موسي و بين الرئيس قيس سعيد وهو خلاف بيّنت للرأي العام خطوطه و أسبابه و نتائجه و قد أظهرت الأحداث المتلاحقة منذ قرارات الرئيس ليلة 25 جويلية 2021 صدق توقعاتها خاصة أن نص الدستور نفسه قد أسال كثيرا من الحبر و أفرز تلك الرسالة القوية و المنتقدة المفتوحة الموجهة للرئيس من قامتين دستوريتين مثل العميدين الصادق بلعيد و أمين محفوظ.
المعارضة الأولى للرئيس قيس سعيد و حكومته الفاشلة
بطبيعة الحال لا يمكن للسيدة عبير موسى أن تتغافل في نقدها للرئيس أو لحكومته الفاشلة عن التذكير بكونه المسؤول الوحيد عن ارتفاع الأسعار و نسبة البطالة و عدم مقاومة الفساد و عدم غلق وكر يوسف القرضاوي و عدم فتح ملفات إرهاب حركة النهضة و تسفيرها للشباب للمستنقع السوري و نهب أموال الدولة و المساعدات المالية الخارجية إضافة طبعا إلى التسبب الفاضح في عزلة تونس خارجيا و عدم معالجة الملف السوري.
في هذا السياق كان واضحا تركيز خطاب السيدة عبير موسى على الابتعاد على سياسة المحاور و على عمق العلاقات مع الخارج دون تجاهل قيمة السيادة الوطنية و اعتبارها محرارا لكل علاقة مع أي دولة أجنبية.
لا ينكر أحد أهمية دور المنظمات الوطنية و بالذات الاتحاد العام التونسي للشغل و قد لاحظ المتابعون بعض مناخ المد و الجزر بين رئيسة الدستوري الحر و السيد نورالدين الطبوبى و الظاهر أن عملية المد و الجزر هي نتاج لتدخلات بعض الأطراف و “أولاد الحلال” داخل الاتحاد و خارجه التي ترفض وجود أي نوع من التنسيق في المواقف أو التوجهات.
بطبيعة الحال هذا لم يمنع السيدة عبير موسى من مواصلة سياسة الاتصال المباشر مع كل الأطراف التي تجمعها قواسم مشتركة و التي ترى في وجود حركة النهضة خطرا داهما و هو نفس الخطر الذي يمثله مشروع الرئيس قيس سعيد.
موسي تمارس قواعد السياسة على أصولها
لم تنقطع هذه السيدة عن سياسة الاتصال المباشر بالمواطنين الأمر الذي مكنها من اكتساح مواقع سيكون لها تأثير في الانتخابات القادمة و التي لا زالت ملامحها الأساسية غامضة في ذهن الرئيس نفسه لكن ما هو ثابت بلسان معارضي الحزب قبل المنتسبين إليه أن السيدة عبير موسى تعتبر السياسية الوحيدة الناشطة على الساحة و التي تمارس قواعد السياسة على أصولها.
ماذا يريد الإعلام من السيدة عبير موسى و لماذا تغلق عديد وسائل الإعلام في وجهها و لماذا يحاول بعض المنشطين عند استضافتهم لها الابتعاد عن المفيد لممارسة ما يسمى بالدعارة الإعلامية أو إعلام المجارى وهو ما حدث مع المنشط إلياس الغربي مثلا و هنا يتساءل البعض عن سر النرفزة الواضحة التي تواجه به السيدة عبير موسى مثل هذه الأسئلة الرديئة التي تمس من عائلتها و سمعتها بحيث هناك شق يرجع ذلك إلى فجاجة الحملات المغرضة و عمليات الهرسلة التي قامت بها حركة النهضة و بعض المؤلفة قلوبهم معها مثل السادة نجيب الشابى و غازي الشواشى و يقول شق آخر أنه لا يمكن لشخص مهما كانت درجة برود أعصابه أن يتحمل المس مباشرة في سمعته أو سمعة عائلته دون أن يكون رد فعله حادا بعض الشيء و على كل حال فهناك إجماع على أن حدة الرد علامة تؤكد صدق الشخص و نقاء سريرته و هو ما يرفع أسهمها في بورصة الأشخاص الذين يحصلون على أعلى نسبة ثقة عند الناخبين و المتابعين و هذا هو المهم.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك