هل يؤمن الرئيس قيس سعيد بدور الإعلام الذي بدونه ما كان ليصل إلى السلطة ؟ هل يؤمن بدور الإعلام العمومي الذي يعمل منذ توليه السلطة على إخضاعه ؟ ثم هل يحق لرئيس الدولة أن يؤمن بدور الإعلام مع أنه لم يستقبل و لم يجر أي حوار شامل مع أية وسيلة إعلامية لا أجنبية و لا وطنية؟ و كيف سيوصل صوت تونس إلى العالم بطريقة التخفي هذه ؟
بقلم أحمد الحباسي
لا يجهل المتابعون أن الاتصال السياسي يرفع حالة الوعي السياسي للأفراد في الدول الديمقراطية و يلعب الإعلام في هذه الحالة دور الوسيط في الاتصال السياسي و يساهم قدر المستطاع في صياغة و تشكيل الحقيقة السياسية في الديمقراطيات العريقة التي تسمح بحرية التعبير.
إن السياسة في أحد أبعادها الأساسية هي خطاب موجه للجمهور و لذلك يستنكر المتابعون ذهاب الرئيس إلى مخاطبتهم عبر الاتصال الفردي و يعيبون عليه عدم استخدام الأداة الإعلامية للتواصل مع الشعب و إيصال الخطاب إليه سواء كان على شكل ترويج لمشروعه السياسي الذي لم يولد حتى الساعة أو كان على شكل شرح سياسات و مواقف أو الدفاع عن إجراءات حكومية ضرورية لإصلاح الاقتصاد و التحكم السليم فى موارد الدولة.
أمية سياسية و رعونة تسيبرية
لا إعلام بلا سياسة و العكس صحيح أيضا و لذلك نلاحظ أن الفعل السياسي توازيه تغطية إعلامية شاملة تؤدى إلى تشكيل الرأي العام و هنا نتساءل لماذا لا تصاحب البعثات الإعلامية الرئيس في رحلاته الخارجية القليلة كما نتساءل هل للرئيس أصلا طاقم إعلامي محنك قادر على بلورة برنامج واضح يجعله قادرا على الوصول إلى أكثر عدد من المواطنين لأن ما نشاهده على أرض الواقع معاكس تماما و لا أحد مهما كانت درجة قربه أو بعده من الرئيس قادر على فك شفرة هذا الرجل الغامض الذي يدير مقاليد البلاد بكثير من الأمية السياسية و الرعونة التسييرية المثيرة للاستهزاء.
فى 4 نوفمبر 2019 كلف الرئيس قيس سعيّد السيدة رشيدة النيفر بشؤون التواصل و الإعلام و 1 أكتوبر 2021 تم إنهاء مهامّ المستشار المكلّف بالعلاقة مع المؤسسات الدستورية والمجتمع المدني السيد معز الورتاني و فى 20 مارس 2021 استقالت السيدة ريم قاسم كمستشارة مكلّفة بالمتابعة الإعلامية و في 22 أكتوبر 2020 استقالت السيدة رشيدة النيفر المستشارة المكلّفة بالإعلام والتواصل من ديوان رئيس الجمهورية و في 1 أفريل 2020 استقالة السيدة هالة الحبيب من منصبها كملحقة إعلامية بالديوان الرئاسي.
لا شك أن هذه الاستقالات تشكل لوحدها لغزا كبيرا جدا خاصة و قد شملت الإعفاءات شخصيات مهمة تمثل حجر الأساس في الفريق المجند لخدمة السياسة الاتصالية للرئيس و هذا يؤكد أن الرجل لا يحبذ التواصل الإعلامي مع المواطنين و يخيّر مكان ذلك الاكتفاء بخرجات اعتباطية مباشرة في نفس الأماكن تقريبا ربما تجعله يظن أنه قريب من الناس.
السؤال الخطير الثاني لماذا كل هذا التركيز الرئاسي على وزارة الداخلية التي سخرها الرئيس في إطلالاته “الإعلامية” المتأخرة و جعلها وزارة إعلام رئاسية يستفيض منها في تبليغ الرسائل الغاضبة أو المشفرة و هل أن الرئيس لم يعد خاصة بعد “خيانة” مديرة ديوانه السابقة السيدة نادية عكاشة يشعر بالأمان إلا في أحضان المؤسسة الأمنية التي يكيل لها المديح فى الرايحة و الجاية دون مبرر يذكر.
ما خفي كان أعظم
هل صحيح أن الرئيس قد أصبح يضع كل ثقته في وزيره للداخلية السيد توفيق شرف الدين خاصة بعد التسريبات التي تحدثت عن تنسيق بين الجهات الأمنية التونسية و الجزائرية حمت الرئيس من انقلاب دبرته حركة النهضة قبل ليلة 25 جويلية 2021؟
يبقى السؤال المهم و الأخير الذي يقول بمنتهى البساطة و الجرأة هل أن رفض الرئيس التواصل مع الإعلام أو تركيز خلية اتصال فاعلة بالقصر الرئاسي ناتج في الحقيقة و الواقع عن عدم قدرته و عدم تمكنه من فن الإتصال و الحوار و عدم قدرته على تجنب المقالب و الأسئلة الصحفية المحرجة ؟ أم أن الأمر يتعلق برد فاعل و غضب و جرح لم يندمل نتيجة استهزاء كل وسائل الإعلام بحظوظه في الانتخابات الرئاسية سنة 2019 و ما تبع ذلك من حملات تشكيك و تقزيم و استهزاء إعلامية وصلت إلى قاع القاع ؟
ثالث الافتراضات هل أن الرئيس يرفض التواصل حتى لا يكشف حقيقة مشروعه السياسي المخفي و الذي تبيّن الجميع بعض ملامحه ليلة الانقلاب أو في الفترة التي تبعتها و بالذات حيثيات تحرير الدستور و خيانة العهد الذي قطعه للعميدين الصادق بلعيد و أمين محفوظ ثم ما حف من تدخلات أثناء الاستفتاء أضعفت من مصداقية نتائجه و ما خفي كان أعظم.
بطبيعة الحال ستظل الأسئلة معلقة مثلها مثل عديد الأسئلة الحارقة الأخرى و سيظل الرئيس قيس سعيد مجرد صندوق أسود يثير كل الشبهات.
محلل و ناشط سياسي.
شارك رأيك