الرئيس التونسي قيس سعيد ينتقد مسار التقاضي و طرق التعامل مع المتهمين في الإيقاف و في البال قضية الصحفي المحبوس صالح عطية، فهل من مخرج لها، بقطع النظر عن الجريمة الصحفية التي ارتكبها بنشره لمعطيات خاطئة قد تهدد السلم في البلاد و ذلك عبر قناة أجنبية معروفة بمعاداتها لتونس ؟
بقلم ياسين فرحاتي
إن أهم مكسب يقر و يعترف به جل التونسيين من جراء ثورة 2011، هو حرية التعبير و إبداء الرأي و ظل هذا المنجز فخرا للصحافيين و الكتاب الذي يتشدقون به. هذا عن السلطة الرابعة رغم تراجع بلادنا من سنة إلى أخرى في ترتيب البلدان التي إزدهر فيها هذا الفن و ذلك لعدة أسباب منها وجود خلل في المرسوم 115 نظريا أو تطبيقيا، مع عدم إستقرار الحكومات و تواصل العلاقة المتوترة في غالب الأحيان بين وزارة الداخلية و الصحفيين و الإعلاميين خصوصا المنتسبين للقطاع الخاص في كل مناسبة تنظم فيها مسيرة للمعارضة في مواجهة السلطة.
لكن الأمور تتحسن بين مهنيي القطاع نظرا لوجود تضامن داخلي في ما بينهم و نظرة نقدية متجددة بهدف التحسين و التطوير و الارتقاء بأوضاع الصحفيين المتعبة خصوصا من الناحية المادية و عدم وجود إطار قانوني يحميهم أثناء أداء عملهم و بالسر المهني و التكتم على مصادر معلوماتهم و عدم الخوف من أي عقوبات قد تقود بعضهم إلى الزج بهم وراء القضبان بتهم تتعلق في أقصى درجاتها بالإخلال بالأمن العام أو التسبب في الفوضى أو الخيانة العظمى من قبيل إفشاء سر خطير.
و قد تكون التهمة المحاكة ضد مدير جريدة “الرأي الجديد” الإلكترونية صالح عطية واحدة من تلكم الأسباب. و إن كان في الظاهر و الجلي أن الحكومة قد أحالته على القضاء العسكري وهو شخص مدني لظهور على شاشة قناة الجزيرة القطرية التي لا تزال تثير و تحدث هلا و فزعات و ريبة في قلوب و نفوس بعض الحكام الذي يضيقون بها ذرعا. و من المهتمين لهذه الجهاز الإعلامي ذي الانتشار الواسع، إبن بلده الكاتب الصحفي محمد كريشان الذي ما انفك يقتنص الفرص و يستبسل في الدفاع عنه بالقلم و الصوت و الصورة و في هذا قوة و حماية و متانة أكثر لملف عطية كما أنه لا بد من أن يكون تواصل الصحفيين فيما بينهم أعمق و أقوى حتى و إن عن بعد و مهما اختلفت التوجهات و المشارب و الغايات.
الأوضاع السياسية و الحقوقية بتونس
و ككل نظام و كل زمن يوجد أنصار يدافعون عنه حتى بالباطل و زورا و بهتانا. أما بالنسبة لقضية الصحفي التونسي الأشد سخونة من بين قضايا حقوق الإنسان على علاقة بحقوق الإعلام و النشر حسب مجلة الصحافة و التي لا يذكرها الإعلام الرسمي أو يشير إليها مجرد إشارة و لو عابرة مهما يؤكد أن ثمة أيادي لا تزال تتحكم بشدة في المرفق العمومي الذي يعاني من شبه إفلاس و من حالة تردي رغم محاولات النهوض به بعد الثورة.
إن ما جرني إلى الحديث عن هذا الموضوع الحساس و الشائك هو لقاء رئيس الدولة قيس سعيد يوم أمس، الثلاثاء 23 أوت 2022، مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن للحديث عن المرفق القضائي و إجراءات التقاضي مع المتهمين بإحالتهم على عدد من الدوائر دون الفصل النهائي في قضاياهم سواء بالإيجاب أم بالسلب و يأتي هذا اللقاء بعد زيارة لوفد من السفارة الأمريكية بتونس و لأعضاء من الكونغرس سبقتها تصريحات نارية لاذعة لكاتب الدولة بلينكن عن الأوضاع السياسية و الحقوقية بتونس التي سبقت و تلت إستفتاء 25 جويلية الفائت، و في الحقيقة الرئيس أراه إلى حد الساعة في وضع دفاع و لكن كم يحتمل مع الأوضاع المعيشية الصعبة للمواطن التونسي و حجم الضغوط الخارجية !
إن توازن أي نظام سياسي منوط بالعمل على انسجام عناصره و مكوناته من الداخل أمام ضغوط محيطه الخارجي ذلك للحفاظ على ديناميكيته.
و على علاقة أيضا بجهاز القضاء التونسي المتعفن و المتأزم يتواصل الجدل حول أزمة القضاة الذين تم إعفاؤهم من مهامهم من دون مخرج لهم و كأننا بين أخذ و رد دون الحسم نهائيا في مصيرهم و يبدو لي و أن الرئيس قد قد استثمر في الموضوع في تلك الفترة التي سبقت موعد الاستفتاء بهدف كسب مؤيدين كثرا و تفاعل الرأي العام بإيجابية مع ملف عزلهم لكن الآن لا نزال نرى تلكأ أو مراوغة و لعبا على عامل الوقت و بحسب ما تقتضية الظروف الداخلية و الخارجية.
حق الاختلاف في الرأي دون أن يكون ثمة ثلب أو قذف أو سب أو شتم
و تلك هي السياسة في كل مرة يتقلب الحاكم من حالة إلى آخر و لا يحسب حسابا إلا لبقائه مسيطرا على زمام الحكم ماسكا العصا من المنتصف إن كان يتصف بالحكمة و العدل و الإنصاف مسترسلا في حديثه كلما سنحت المناسبة بذلك عن خلق الأنبياء و الصالحين.
و لكم ذكرنا رئيسنا بخلق النبي الكريم و بالصحابي الجليل عمر لأقول له عن طيب خاطر و بكل حب و مودة : ” بادروا بالإفراج عن الصحفي صالح عطية حتى لا تسجلوا نقطة أو نقاط سوداء في مسيرتكم السياسية لأن حق الاختلاف في الرأي دون أن يكون ثمة ثلب أو قذف أو سب أو شتم تكفله كل الدساتير و القوانين فهو كذلك مواطن يمكن أن يدافع عن مصالح الوطن عبر قلمه.
و حتى لو فرضنا جدلا أنه قد أفشى خبرا خاطئا دون سوء قصد أو سبق إصرار فإن الأمر لا يستدعي الزج به في السجن و بعيدا عن أسرته منذ أكثر من شهرين. كفانا تنكيلا و إهانة لكتابنا و مثقفينا. مزيد من الانفتاح و الجرأة و الموضوعية في تناول مثل هذه الموضوعات.
شخصيا، خوفي أن تتحول بلادنا إلى قلعة لمحاكمة أصحاب الرأي الحر و ترفض حق الإختلاف. و يقع تلبيس الناس قضايا بعيدة كل البعد عن الحقيقة و الواقع و نعود بذلك إلى عهد الوشاية و الظن الكاذب في في ظل غياب أدلة مقنعة و حجج دامغة و كل من يظهر متحدثا على شاشة الجزيرة يعد عميلا للخارج و خارقا لقوانين الدولة.
كاتب من تونس.
،
شارك رأيك