ما حصل مؤخراَ في التوتر الحاصل بين بلدنا تونس والمغرب الشقيق بسبب الصحراء الغربية لا مبرر له و نحن في غنى عن إساءة الظن بعضنا ببعض أو التلويح بالمغالطات والتهرب والمبررات، فضلاً عن إساءات بالجملة والتفصيل للروابط العريقة والقربى وحسن الجوار والأخوة (الصورة: خارطة الصحراء الغربية و صورة الجدار العازل بين طرفي هذه الأرض المتنازع عنها).
بقلم الدكتور المنجي الكعبي
تونس كدولة مستقلة من دول شمالي إفريقيا المستعمرة جميعها سابقاً لفرنسا، دون الجزء من الصحراء الغربية المطل على المحيط الأطلسي الذي كانت تحتله إسبانيا، أصبحت توجد بعد الاستقلال بعيدة عن تحقيقها حلمها المشترك مع بقية أقطار هذا المغرب المتسمى بالمغرب العربي الكبير، لا تشرف على هذه الصحراء الغربية التي تحدّه ولا على هذا المحيط الأطلسي المجاور له، بسبب تأخر قيام هذا الإتحاد بدوره المنوط به لانتفاع الجميع بخيراتهما وإنهاء النزاع الحدودي بين أقطاره وإنجاز المشاريع الوحدوية المقررة في قممه دون تعطيل.
ويجب أن لا يغيب عن ذهننا أن الإشكال أو النزاع الحاصل بين بعض دوله وبعض بسبب هذا الجزء المتسمى بالصحراء الغربية إنما تغذيه الدول الغربية ذات الماضي الاستعماري والدول المهيمنة على المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي عن طريق نزعات انفصالية مكشوفة ومنظمات إرهابية تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية.
خيمة اتحاد المغرب العربي من المفترض أن تجمع الجميع
ونجد بقايا المفاهيم السِّجالية التي لم يعد لائقاً تداولها كما حصل مؤخراَ في التوتر الحاصل بين بلدنا تونس والمغرب الشقيق.
ونكون في غنى عن إساءة الظن بعضنا ببعض أو التلويح بالمغالطات والتهرب والمبررات، فضلاً عن إساءات بالجملة والتفصيل للروابط العريقة والقربى وحسن الجوار والأخوة.
والوقوف على الحياد في كثير من النزاعات الدولية غير مرحب به وكذلك اللوائح الأممية والإقليمية وقراراتها مقدوح فيها لذاكرة الناس بها في فلسطين والبوسنة والهرسك والعراق وغيرها من المهام التي تولتها البعثات الأممية الكثيرة.
فلا مستقبل لآفاق بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية من أجل الإعداد للاستفتاء على تقرير المصير منذ قيامها هناك لهذا الغرض في عام 1991 وحتى بعد التمديد لها المتكرر بحجة أو أخرى الى اليوم.
وطلب مصر الانضمام الى الاتحاد كان رفضه لاعتبارات ضيقة وحسابات سياسية داخلية وخارجية، وفي خلفيته تأثيرها المحتمل على النزاع في الصحراء الغربية.
فخيمة الاتحاد، من المفترض أن تجمع الجميع، بما في ذلك مصر الواقعة في الشرق منه مثلها مثل موريتانيا في الغرب منه وكذلك هذا الجزء من الصحراء الغربية، فمقعده في هذا الاتحاد يجب أن لا يختلف عن سائر الأقطار التي تحتل مقعدها منه باستحقاق.
فرصة سانحةٌ لطي صفحة خلافات الماضي
وتتمع جميع دوله بحدودها الموروثة عن العهد الاستعماري وكذلك بأنظمتها التي تختارها شعوبها وحركات المقاومة التحررية التي قادتها الى الاستقلال، دون ربط لأحدها بحكم فيدرالي أو ذاتي لدولة من دوله، وإلا لأسسنا لدويلات انفصالية وانقسامات لا حدود لعددها كما سبق في تاريخنا، وليس لاتحاد قوي متين لشعوبه الموحدة أصلاً منذ قرون قبل الاستعمار في القرنين الماضيين والمتمثل اليوم في تكتلات مهددة لدولنا ولوجودنا بالسلاح النووي، ولفوّتنا على أنفسنا بعد استقلالاتنا كلَّ وحدة مطموحة منذ قيام ثوراتنا التحريرية لنيل الاستقلال واستئناف دورنا الحضاري المتميز ومنافسة الدول العظمى.
وينتهي النزاع الحدودي بين أقطارنا أو يطوى الى الأبد ليحل محله التآزر والتعاون والتمانع على العدو.
وتكون هذه القمة، قمة “تيكاد 8 ” سانحةٌ سنحت لتونس 2022 لطي صفحة النزاع الصحراوي بين المغرب وجبهة البوليساريو من أجل مقاربة جديدة للتصالح الأخوي بفتح حوار دبلوماسي هادف ونقاش سياسي بناء شعاره قوله تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم.
ولم أمسك القلم لتدوين هذه الكلمات إلا وقد استذكرت أنني كنت في المغرب لما انطلقت المسيرة الخضراء عام 1975 في دعوة من وزارة الثقافة للمشاركة في مهرجان ابن زيدون وولادة، وفوجئتنا ساعة قبل الافتتاح بتغيير وجهتنا للخروج في المسيرة في ركب صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني باتجاه الصحراء الغربية لاستعادتها سنتين تقريباً بعد الاستقلال عن إسبانيا بقيادة جبهة البوليساريو وانفضت الندوة دون انعقاد وكانت محاضرتي بعنوان “ابن زيدون بحتري الغرب”، وكنا عدداً هائلاً من الوفود العربية ودول الاستشراق.
باحث جامعي و نائب سابق.
شارك رأيك