“سيّدي رئيس الجمهوريّة.
أسقط الشّعب التّونسي منظومة القمع والاستبداد في 2011، لكنّ القوى الرّجعيّة والانتهازيّة تمكّنت من السّيطرة على دواليب الدّولة، وسعت لتركيز ديمقراطيّة شكليّة فاسدة من أجل تأبيد تواجدها في الحكم وللاستيلاء على مقدّرات البلاد، ووقع استقطاب الشّباب وتسفيرهم إلى بُؤر التوتّر، وتتالت الاغتيالات السّياسيّة والعمليّات الإرهابيّة. كما فشلت هذه المنظومة، في إدارة الشّأن العامّ، وفتحت الأبواب على مصراعيها أمام الاقتصاد الموازي ومسالك التّهريب والمضاربة والاحتكار، وأغرقت السّوق بالموادّ المستوردة، فعمّ الفساد ودُمِّر الاقتصاد الوطني وتدهورت مرافق الحياة من صحّة وتعليم ونقلٍ عمومي وتفاقم الفقر والبؤس وعَمّت البطالة.
“تحرّكت طلائع المجتمع المدني والسّياسي بدعمٍ شعبيّ واسعٍ في عديد المحطّات، لإسقاط منظومة الفساد والإرهاب، بالوقفات الاحتجاجيّة والمسيرات والاعتصامات، وهو ما فتح الطّريق أمامكم، لاتّخاذ قرارٍ تاريخيّ في 25 جويلية2021 بتجميد أعمال البرلمان وإقالة الحكومة. وقد لاقَى قراركم دعما كبيرا من جلّ قوى المجتمع المدني والسّياسي ومن شرائحَ شعبيّة واسعة.
سيّدي الرّئيس،
رَفعت، تحرّكات 25 جويلية 2021، وكلُّ التحرّكات التي سبقتها نفسَ الشّعارات وهي:
1 – فتح ملفّات الفساد والإرهاب، لمحاسبة كلّ من أجرم في حقّ الشّعب وأضرَّ بالمصالح العليا للبلاد.
2 – إصلاح المنظومة السّياسيّة والانتخابيّة بتركيز نظام ديمقراطي يكرِّس دولة القانون ويَحمي الحقوق والحرّيات ويعيد السّلطة للشّعب.
3 – الانطلاق في الإصلاحات الاقتصاديّة المستعجلة لإخراج البلاد من الوضع الخطير الذي تعيشه، وإقرار إصلاحات عميقة في مسارٍ تشاركيّ مع القوى والكفاءات الوطنيّة، بإعادة النّظر في منوال التّنمية لتكريس العدالة الاجتماعيّة وضرب منظومة الرّيع والفساد ووضع البلاد على نهج النّموّ والازدهار.
سيّدي الرّئيس،
بعد 25 جويلية 2021، تباطأت الإصلاحات وتعثّرت واخترتم منحًى فردانيّا سعيا لتنفيذ مشروعكم السّياسي، الطّامح إلى إقصاء كلّ الشّركاء الوطنيّن وإنهاء الأجسام “الوسيطة”، لتركيز حكمٍ فرديّ. وفي المقابل وبعد مرور ما يزيد عن السّنة، لم تتقدّم البلاد نحو تحقيق مطالب الشّعب، بل انهارت القدرة الشّرائيّة، وازداد الفقر انتشارًا وتفاقمت البطالة وعمّ البؤس ولم نرَ برامجَ لتغيير منوال التّنمية ولا مساعٍ لضرب منظومة الرّيع وتفكيك منظومة الفساد وتكريس العدالة الاجتماعيّة.
وبالنّسبة للإصلاحات السّياسيّة، لقد تنكّرتُم لوعودكُم بتركيز نظامٍ سياسي ديمقراطي، يحترم مبدأ الفصل بين السّلط والتّوازن بينها، كما نصّ عليه الأمر 117 المؤرّخ في 22 سبتمبر 2021 في الفصل 22 جديد والمرسوم 30 المؤرّخ في 19 ماي 2022 في الفصل 14، بل عَمدتُم إلى تركيز نظامٍ رئاسويّ جمع كلّ السّلطات بين يديّ الرّئيس.
و بالنّسبة للمحاسبة، فقد انحصرتْ إلى حدّ السّاعة، في قراراتٍ محتشمة غير ناجعةٍ مرتجلة ومتعثّرة، ولم تقعْ إدانة الذين أجرموا في حقّ الشّعب، بل تمّ تبييضهم وجعلتُم منهم ضحايا ومكّنتمُوهُم من إعادة التشكّلِ ونسج تحالفات في الدّاخل والخارج.
سيّدي الرّئيس،
أمام هذا المشهد المختلّ، ورغم اختلافاته العميقة مع مقاربتكُم الأحاديّة، فإنّ ائتلاف صمود يظلُّ متشبّثا بإنجاح مسار 25 جويلية، رفضًا لعودة المنظومة السّابقة وانحيازا لمطالب الشّعب الذي علّق على هذا المسار آمالا كبيرة في تغيير واقعه وإنقاذ البلاد. وإنّ جلّ انتقاداتنا تطمح إلى إقناعك بأنّ مسار 25 جويلية حاد عن الطّريق الصّحيح، وتشير إلى أنّ الخلل يكمن أساسا في المنهجيّة والمنحَى الذي انتهجتموه بصفتكم رئيس الدّولة. كما تهدف مقترحات الائتلاف في مختلف المجالات، إلى المساهمة في الإصلاح من أجل إنقاذ البلاد.
سيّدي الرّئيس،
إنّ نجاح مسار 25 جويلية، سيكون نجاحا للدّولة بتحسين وضع البلاد وظروف العيش فيها، بينما سيُلقي فشلُ هذا المسار بظلاله على كافّة الشّعب ويدفع بالبلاد نحو المجهول وربّما نحو الفوضَى والعنف. وإنّ المنحَى التّشاركي، لَكفيلٌ وحدَه في هذه المرحلة الدّقيقة، بإنجاح المسار وإنّ تغليبَ المصلحة الوطنيّة يقتضي:
1- الدّعوة إلى وضع ميثاق للقوى الوطنيّة التي لم تشارك في منظومة الفساد والإرهاب للعشريّة السّابقة والرّافضة لكلّ تدخّل أجنبي، بقطع النّظر عن تقييمها لمسار 25 جويلية، وذلك للاتّفاق على مجموعة من المبادئ المجمّعة، ولصياغة نظامٍ انتخابي تشاركي، يمكّن من تنقية المناخ السّياسي وتشريك كلّ الطّيف الوطني في الانتخابات القادمة وعزل المنظومة السّابقة وحسم الصّراع معها لوضع حدٍّ للضّغوطات الأجنبيّة.
2- الاعتماد على الكفاءات الوطنيّة لإيجاد الحلول العقلانيّة والعمليّة النّاجعة والكفيلة بإخراج البلاد من الأزمة الخانقة التي تعيشها، ومراجعة التّعيينات التي وقعت في الفترة الأخيرة على أساس الولاءات والتي فشلت في القيام بواجبها الوطني في إنقاذ البلاد.
عن ائتلاف صمود
المنسّق العامّ حسام الحامّي”.
شارك رأيك