ضاعت تونس بين الرئيس قيس سعيد و السيد نورالدين الطبوبي

لم يعد سرّا أن هناك صراعا شبه معلن و حرب زعامات و عملية كسر عظم تدور بين الرئيس قيس سعيد و بين الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، لا أحد في هذه الحرب الضروس متيقّن من النصر ولا أحد قادر على الإطاحة بخصمه اللدود و في النهاية لن يكون هناك منتصر و ستكون النتيجة الواحدة لهذه المهزلة السيئة الإخراج هو ضرب الاستقرار و دفع البلاد إلى حافة المجهول.

بقلم أحمد الحباسي

 لم يتخذ اتحاد الشغل لحد الآن موقعا معارضا واضحا لسلطة التدابير الاستثنائية التي أسس لها رئيس الدولة باعتماده تفسيرا ملتبسا و خاضعا للنقاش لأحكام الفصل من الدستور بل كان له موقف مائع أثار حفيظة الأغلبية التي تنبأت بأن ما قام به الرئيس هو محاولة انقلابية على نفس الدستور الذي أقسم على احترامه يوم توليه السلطة ثم ما لبث أن نكث العهد مقدما للعالم أسوأ صورة لرجل يزعم تشبعه بالقيم الديمقراطية وآت من رحم شعب بائس عانى و ضحى بالكثير ليصنع ثورة استولى عليها الرئيس و أمثاله بدون حق.

رغم أهمية الاستفتاء من حيث ما سينجرعنه بعدما يمسك الرئيس بكل السلطات فقد رفض الاتحاد إرسال مراقبين تابعين له إلى مراكز الاقتراع على خلاف المحطات الانتخابية السابقة مما يقيم الدليل على أن الاتحاد لم يقم بدوره لإنقاذ البلاد خاصة بعد أن ترك للمنخرطين فيه حرية الاقتراع تماما كما فعلت النهضة في انتخابات 2019 حين تركت لمنتسبيها من باب النفاق السياسي حرية التصويت لمحمد المنصف المرزوقي أو للمرحوم الباجى قائد السبسي. 

 الانهيار الكامل و الشامل للاقتصاد و المؤسسات

المصيبة أن الاتحاد في نطاق سياسة التلاعب بالإحداث و بعدما وقعت الفأس في الرأس انبرى يشكك في قدرة المسار الرئاسي المشبوه على تغيير الأوضاع الكارثية التي تعيشها البلاد و التي ساهمت المعالجة السلبية و الرعوانية الرئاسية في مضاعفة ارتداداتها و إرهاصاتها  السلبية و لم يجد من “حل” إلا بتهديد رئيسة الحكومة الفاشلة و المرتعشة بشن إضراب عام غير محدد في الزمن يقول العارفون بأنه ستكون من نتائجه المتوقعة  طبعا انهيار كامل و شامل للاقتصاد و المؤسسات.

ماذا يريد الرئيس قيس سعيد من السيد نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل؟

تقريبا لا شيء و كل شيء. ما أقوله ليس فزورة بل هي حقيقة ساطعة ماثلة أمام الجميع لان الرئيس لا يؤمن بمبدأ دستوري قائم فى كل دول العالم يتعلق بحق الإضراب و قد رأينا كيف تعامل سيادته مع إضراب القضاة و ما نتج عن ذلك من إصراره على محو و إزالة هذا الحق عند تحرير الدستور كما رأينا ذلك كيف تذرع وزير الداخلية تحت ضغوط واضحة من الرئيس بحادثة صفاقس حين رفض الأمنيون تأمين العرض الهابط للممثل لطفي العبدلي و هدد بإلغاء حق الإضراب و بحل النقابات الأمنية و بعين الرؤية السلبية يتعامل الرئيس مع استعمال الاتحاد لحق الإضراب و التهديد به و لعل الرئيس قد بحث عن  طرق أو طريقة لمواجهة هذا التهديد الذي بإمكانه شلّ البلاد و الاقتصاد لكنه لم يفلح لحد الآن فى هذا المسعى السخيف.

على الجانب الآخر لا يبحث الأمين العام للاتحاد على مواجهة الرئيس أو إسقاطه باستعمال سخط الشارع و إحباطه خاصة و أن خطر الرجوع الإخوان إلى الساحة لا يزال مطروحا حتى في المجال النظري لا سيما و أن الرئيس قد فشل فشلا ذريعا في محاسبة قيادة النهضة لحد الآن.

حرب الزعامات هي المتسببة في ضعف الدولة و قرب انهيارها

ما هي نتائج هذا الصراع المحموم بين رئيس البلاد و رئيس المنظمة الشغلية ؟ 

بطبيعة الحال حال الاقتصاد و ما يعانيه المواطن من ارتفاع الأسعار و ندرة المواد التموينية الأساسية و عزوف المستثمرين وغلق المؤسسات التشغيلية و عزلة تونس دوليا و انهيار جزء مهم من الاقتصاد الوطني إلى غير ذلك من المؤشرات السلبية هو نتاج لحرب الزعامات بين مقامي الرئاسة و إتحاد الشغل و لعل الرئيس لا يدرك وهو منكمش و متمترس ببرجه العاجي أنه بدأ يفقد السيطرة على الشارع و يفقد بالتوازي ثقة المواطن الذي يكتوي بنار الأسعار التي عجز رئيس الصدفة على إخماد لهيبها.

لا يدرك أمين عام اتحاد الشغل أن وجوده على رأس هذه المنظمة العتيدة لم يفد المجموعة الوطنية بشيء بل كان عنصر توتر مدافع على مافيات الفساد في الصحة و التعليم على وجه الخصوص. ربما سيسقط الرئيس يوما و ربما ستتعالى الأصوات منادية برحيل السيد نورالدين الطبوبي الذي لا يمكنه أن يتجاهل أن إعادة انتخابه قد حصل بعد مناورات خبيثة كثيرة أثارت حفيظة كثير من النقابيين.

في كل الأحوال هناك مؤشرات جدية واضحة على أن الرئيس قد دفع البلاد إلى المجهول و أن الاتحاد  لم يقصر من ناحيته في تصرفاته السلبية التي  تؤدي لانهيار الاقتصاد و التسبب في الفوضى العارمة.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.