منذ أن تولى وزير الفلاحة السابق السيد محمد بن سالم عملت حركة النهضة على فصل كثير من أعوان الغابات المشكوك فى ولائهم و انتداب أعداد كثيرة أخرى جعلت منهم الجهاز السري الغابي الذي يعلم كل مسالك الغابات و القادر على إعطاء و توفير المعلومات الخطيرة و المهمة حول مواقع البث و الالتقاط العسكرية بحيث شكل هؤلاء الأعوان جيشا خلفيا تستعين به الحركة و جماعاتها الإرهابية المتمركزة بالجبال للتسلل في الاتجاهين و التحكم في الحدود و للقيام بأنشطة إرهابية مع السعي لربط علاقة وطيدة مع عصابات التهريب القادرة على إعانة الحركة على توريد السلاح من ليبيا أو تقديم الدعم التمويني للجماعات الإرهابية المتمركزة بجبال القصرين على وجه الخصوص.
بقلم أحمد الحباسي
لعله من بيع المواضيع المسكوت عنها رغم أهميتها و انعكاس الاهتمام بها على الأمن القومي موضوع حراس الغابات و الذي يظهر أن هناك تعليمات واضحة للتعتيم عليه كليا لغايات سياسية بحتة.
حين تكلم شيخ الإخوان راشد الغنوشى فى ذلك الفيديو الذي يزعم الشيخ محمد الهنتاتى النهضاوي القديم أنه من سربه للإعلام مشيرا إلى أن الجيش و الأمن ليسا مضمونين أو بعبارة أوضح ليسا مخترقين و موالين للحركة تماما أو بنسبة كبيرة على الأقل فالرجل يدرك ما يقول و حين سمح ذلك المدعو فرحات الراجحي وزير الداخلية لرئيسة ما يسمى بهيئة الحقيقة و الكرامة سهام بن سدرين بحمل ما أمكن حمله من أرشيف الوزارة و بالذات أرشيف البوليس السياسي فالأمر كان مدبرا من “الشيخ” و مطلبا عاجلا من مطالب بعض الجهات الأجنبية المتآمرة على تونس و التي تشير إليها أصابع الاتهام بكونها قطر ذلك “الصديق” الذي طالما أراد ببلادنا شرا.
الدور الأمني الحيوي لحراس الغابات
لو عدنا قليلا بالذاكرة لتبيّن أن الرئيس الراحل زين العابدين بن على و نظرا لخلفيته و تكوينه الأمني و الاستخبارى و إشرافه على إدارة المخابرات العسكرية قد اعتمد على حراس الغابات كأول جهاز استخبارات ينقل للسلطة الجهوية كل المعلومات والأسرار و الحيثيات التي تتعلق بكل تحرك مشبوه فى الغابات و الجبال و بعض المدن الحدودية.
بطبيعة الحال كان على حركة النهضة التي كانت بصدد بداية تنفيذ مشروع تدريب و احتضان و تسفير الإرهابيين إلى سوريا خدمة للصهيونية العالمية أن تنتبه إلى خطورة مواصلة هذا الجهاز لدوره سواء في حراسة الغابات أو في نقل المعلومات و لذلك بدأ العمل منذ تسلمها للحكم على إضعاف هذا الهيكل و طرد الكثيرين منهم و اغتيال البعض الآخر من باب بث الرعب في نفوس من أصر على القيام بعمله رغم كل الأخطار المحدقة. ربما شعر البعض في وزارة الداخلية بخطورة ما يحصل لحراس الغابات و لذلك أعلن السيد رفيق الشلي كاتب الدولة لدى وزير الداخلية المكلف بالأمن في نهاية سنة 2015 عن إمكانية تسليح حراس الغابات خصوصا بعد تلقيهم تهديدات مباشرة من الإرهابيين لكن بقى الأمر مجرد تصريح بسبب رفض قيادة حركة النهضة الاستجابة لهذا الطلب.
لعل السؤال الذي يجب أن يطرح في هذا السياق يتعلق بما إذا أعاقت التهديدات الإرهابية التي طالت حراس الغابات وعائلاتهم تنفيذ أو وقوع بعض العمليات الإرهابية و هل أن المعلومات التي يوفرها حراس الغابات لم تقع في يد جهاز الأمن الموازي لحركة النهضة المدسوس داخل وزارة الداخلية بحيث مكنت بعض المجموعات الإرهابية من الهروب قبل القبض عليها.
بطبيعة الحال تبقى كل الفرضيات و الاحتمالات و التخمينات واردة خاصة في ظل شحّ المعلومات في هذا الصدد لكن من الواضح أن هذا الجهاز قد دفع ثمنا باهظا بعد أن تم اغتيال العديد من المنتسبين إليه و هنا نتساءل بمنتهى العجب و الاستغراب لماذا ترفض الحكومة توفير وسائل الحماية و من بينها تسليح هؤلاء الأعوان و التعهد بعائلات الشهداء تعهدا واضحا يؤكد حرص الدولة على رعاية المتضررين من هذه الحرب الدموية.
لعل التاريخ سيسجل أن وزير الفلاحة السابق السيد سمير بالطيب قد نكث كل وعوده التي أطلقها في شهر أفريل 2017 حين وعد شخصيا و بعد معاينته للوضع الكارثى لأعوان الغابات بتوفير حارس لكل 200 هكتار من الغابات و مثله لسباسب الحلفاء و 4 حراس لكل دائرة فرعية و6 حراس وأعوان مخابرة لكل برج مراقبة، وحارسين لكلّ مركز غابي.
لقد بقيت تلك الوعود الجوفاء مجرد وعود لوزير أضر بالفلاحة و الزراعة و بالمحاصيل الزراعية و يتحمل المسؤولية الأخلاقية و السياسية في الاعتداء على عديد حراس الغابات الذين لم يوفر لهم الوزير الرعاية و الحماية اللازمتين في عهد حكومة رئيس الحكومة الهارب إلى فرنسا يوسف الشاهد. في مقابل غدر الوزير و قبل وجوده بالوزارة و بعد رحيله تواصل اندلاع موجات من الحرائق المتزامنة بكافة المناطق الجبلية بالبلاد مما دفع المراقبين إلى التساؤل حول أسباب اندلاعها خاصة تلك الحرائق التي حصلت في قمم المرتفعات الجبلية وهي أماكن وعرة يعلم منفذو جرائم الحرق أنه يصعب على إمكانيات الإطفاء الوصول إليها بسهولة.
هذا التزامن ليس بريئا بالطبع و أبحاث وزارة الداخلية تخفى أسرارا مرعبة. منذ أن تولى وزير الفلاحة السابق السيد محمد بن سالم عملت حركة النهضة على فصل كثير من أعوان الغابات المشكوك فى ولائهم و انتداب أعداد كثيرة أخرى جعلت منهم الجهاز السري الغابى الذي يعلم كل مسالك الغابات و القادر على إعطاء و توفير المعلومات الخطيرة و المهمة حول مواقع البث و الالتقاط العسكرية بحيث شكل هؤلاء الأعوان جيشا خلفيا تستعين به الحركة و جماعاتها الإرهابية المتمركزة بالجبال للتسلل في الاتجاهين و التحكم في الحدود و للقيام بأنشطة إرهابية مع السعي لربط علاقة وطيدة مع عصابات التهريب القادرة على إعانة الحركة على توريد السلاح من ليبيا أو تقديم الدعم التمويني للجماعات الإرهابية المتمركزة بجبال القصرين على وجه الخصوص.
ربما تكررت عمليات ذبح الرعاة الذين اشتبهت بهم الجماعات الإرهابية لكن الملفت للانتباه أنه لم تكن هناك حتى مجرد مناوشات بين حراس الغابات الموالين للحركة و عناصر الجماعات المسلحة مما يؤكد وجود دور تنسيقي يشرف عليه الحارس الشخصي للشيخ راشد الغنوشى شخصيا.
فى النهاية نقول ربما سقطت حركة النهضة من الحكم لكن مشروعها في ممارسة الإرهاب و ضرب كل من يواجه هذا المشروع باق.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك