ربّما شعار حركة الزاباتيستا التحرّرية في المكسيك “للجميع ، كلّ شيء. بالنسبة لنا ، لا شيء” يتردّد صداه في خطابات قيس سعيد، كلّ شيء يعود إلى الشعب، منه تنبثق السلطة و إليه تعود. هذا التقاطع الرمزي يحمل في طيّاته تقاطعات إيديولوجية و فكرية أخرى تجعل منهما مُدافعان عن حقّ الشعوب المسحوقة في السيادة و العدالة الاجتماعية ضدّ كلّ أنواع الهيمنة الغربية ضمن ديمقراطية مباشرة دون وسائط مؤسساتية إلى جانب -حسب ما يزعمونه- نفظّ مشاكلنا ثمّ نمرّ إلى مشاكل الإنسانية جمعاء في إطار مقاربات جديدة و بدائل مختلفة و مستجدّة، وإن كانت في ظاهرها انتظار حارق و حاجة غير مُلحّة. على أيّ حال، تنحّوا جانبا… فنحن قادمون ومُدجّجون… بالكلمات !
بقلم ميلاد خالدي
بطءُ الحلزون و صمت المُشاة
في تصريح لأحد الداعمين لمنظّمة الزاباتيستا المكسيكية قال فيه، “نفضّل التطوّر البطيء على التطوّر السريع، البطء في الحركة و ردّ الفعل هو ديدننا، المُهمّ أنّنا نتحرك في صمت كالحلزون، في جميع الأوقات و الأماكن و الظروف”. في المقابل فإنّ سياسة قيس سعيد البطيئة و الجامدة التي تراوح مكانها يمكن أن تدفع بالدولة إلى الانهيار و الشعب إلى المجاعات و الحروب الأهلية.
من ناحيتي سياسة الحلزون لا تلزمنا في شيء فهي رفيقة العاجزين و الأصابع المُرتجفة. نحن اليوم بحاجة إلى سرعة الوعول و الأيائل و دقّة الفعل و الملاحظة.
كما أنّ جماعة الزاباتيستا و قيس سعيد اشتركا في توخّي الصمت في التعامل و السكون أمام معضلات البلاد. ما ينقص قيس سعيد هو ذلك القناع الذي يرتديه الزاباتيستيون على وجوههم كي يجلبوا لأنفسهم الانتباه حتى يراهم الجميع، و بالتالي يقولون نحن هنا. أنا هنا لكن هُوّيتي أخفتها قوقعة الحلزون. يا خيبة المسار والمسير!!
الديمقراطية المُباشرة و الأبواب المُتجاورة
في التصوّر الزاباتيستي القيسوني الحكومات موجودة لخدمة الشّعب. بمعنى حافّ الشعب يأمر و الحكومة تُنفّذ لكنّه يبقى لغط على قارعة الفراغ، فلا الشّعب قادر أن يأمر و لا الحكومة قادرة على الطاعة و تلبية الحاجة.
يمكن أن تكون البيئة مُختلفة لكنّ الهامش دائما يستدعي المركز، فإن تُعطي صوتا للسكّان المحليّين من الهنود الحمر و تعدّل الدستور من أجلهم ردّا للاعتبار، يتناغم في الإيقاع مع من يريد أن يرُدّ الاعتبار للمناطق الداخلية و المهمّشين في تونس الذين غبنتهم المنظومات والسياسات السابقة.
تنظيم الزاباتيستا فتح الأبواب مع الكلّ و لم يُفكّر في غلقها، شيّد المستشفيات و المدارس و الطرقات بينما ديمقراطيتنا المُباشرة شيّدت أبراجا شاهقة مع بنية تحتية ناهقة عمادها المتآمرون و الأيادي الخفيّة و المناوئون الأشباح. دمتم ذُخرا وذخيرة لنا.
قادرون أن نُلهم العالم لكن
ما يتقاسمه الزاباتيسيون و القيسيون هو قدرتهم النيتشوية على حلّ مشاكلهم المحليّة ليمرّوا بعدئذ لحلّ مشاكل الإنسانية و حتى إلهام قائديها و زعمائهما و كأنّما هموم البشرية هي جزء مشترك مع هموم القُطر.
لا أظنّ أنّ قيس سعيد و الزاباتيستا غابت عنهما مقولة تشي غيفارا “لا أعرف حدودا، فالعالم بأسره وطني” لكن في المقابل عليهما أن لا ينسوا أو يتناسوا مقولته الأخرى التي تقول : “الكلمات التي لا تتطابق مع الأفعال هي كلمات غير مُهمّة”. لذا فالفنتازيا الفارغة لا طائل منها فمن الأجدر إنقاذ ما تبقّى من حُطام البلاد و الشروع في العمل و الانجاز لا أن نسمع خطابات جيّاشة مبتذلة من قبيل “نحن ماضون في موعدنا مع التاريخ بمقاربات جديدة ليست لبلادنا فقط بل للعالم أجمع”. فالتاريخ لا يدخله أصحاب المُواربة و اللغط و المُغالطة و التغليط. ما يُنفقه اللسان لا تسترجعه اليد اليُمنى يا سيّدي البخيل…
السياسة هي فنّ المُمْكن و هي كذلك مهارة التعامل مع المستحيل و ليست سياسة “قُم ووفّه التبجيل”.
لئن كانت القواسم مشتركة بين أفكار قيس سعيد و أفكار الزاباتيستا في المكسيك في القلب و القالب، فالهامش لن يكون هامشا لو لم يكن المركز أكثر جشعا و خواءً وتسلّطا.
دمتم ذُخرا وذخيرة..!!
كاتب.
شارك رأيك