تونس، ليبيا و الخطوط المقطوعة…

من الحقائق التي يجب أن نتعاطى معها بعقلانية و رصانة و تقدير دقيق للمصلحة الوطنية أن تونس – و على عكس اللغة الديبلوماسية السمجة – لم تستفد أبدا من عمق علاقاتها الموهومة  مع ليبيا و لا من هذا الجار الذي أراد ببلادنا شرا في محطات تاريخية متعددة لا تنسى.

 بقلم أحمد الحباسي

 لا يمكن الحديث عن العلاقات بين الدول دون ربطه آليا و فوريا بلغة المصالح و لعل ما يثير الانتباه أن الدبلوماسية التونسية كغيرها وللأسف في كل البلدان العربية لا تزال تستعمل و تصرعلى نفس المفردات و العبارات و التوصيفات بالإشارة إلى عمق العلاقات و حرارة الجوار و ما يجمع الشعبين إلى آخره من الترهات الإنشائية التي لا نرى مثيلا لها في خطب الزعماء و وزراء الخارجية الأوروبيين.  

صحيح أنه على المستوى النظري و ربما الواقعي هناك قواسم مشتركة لكن بالمحصلة و للحقيقة ماذا جنت تونس من “عمق العلاقات و حسن الجوار و ما يجمع الشعبين”؟

بطبيعة الحال هناك حقائق مرّة مثل الحنظل يجب أن تقال و هناك ملف يجب أن يعاد فتحه بآليات أخرى و بمفاهيم و تعاطي مختلف، من هذه الحقائق أن تونس لم تستفد أبدا من عمق علاقاتها الموهومة  مع ليبيا و لا من هذا الجار الذي أراد ببلادنا شرا في محطات تاريخية متعددة لا تنسى.

اعتماد لغة العقل و المصالح بدل التعلق بالأوهام البائدة

لقد حان الوقت لإسقاط كل التابوهات و نبش الماضي و اعتماد لغة العقل و المصالح بدل التعلق بالأوهام البائدة، لا بدّ اليوم من وضع الأصابع على الداء و الاعتراف صراحة أن تونس قد عانت الويلات من هذا الجار الذي لم يراع في محطات عديدة مثل حوادث قفصة و محاولة اغتيال الوزير الأول التونسي الراحل الهادي نويرة و طرد العمال التونسيين بعد سلبهم كل أمتعتهم و حقوقهم إضافة إلى تدبير محاولات تفجير و اغتيال الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة و بطبيعة الحال لا يجب نسيان ما رافق هذه الأحداث الدموية من حرب إعلامية شعواء سخّر لها نظام العقيد الراحل معمر القذافي المليارات لتشويه تونس و ضرب الاستقرار فيها  قلت لم يراع لا حرمة جوار و لا علاقات أخوية و لا تعاملا إنسانيا مع أبناء الشعب التونسى.

لا يجب اليوم أن نخجل من التأكيد بأن علاقتنا المتوترة طيلة سنوات حكم العقيد القذافى قد تسببت فى خسائر خيالية للاقتصاد التونسي و في اضطرار الحكومات التونسية إلى بذل الأموال لشراء الأسلحة لمواجهة الخطر الليبي.

لقد ساهمت اليد العاملة التونسية  في النهضة العمرانية الليبية كما ساهم المربى التونسي في تكوين الناشئة في ليبيا و وقفت تونس رغم كل الجراح مع ليبيا عند صدور قرار الحظرالدولي عليها بعد اتهامها في حادثة لوكربي الشهيرة كما اقتسم الشعب التونسي الرغيف مع الشعب الليبي و بالذات قوافل النازحين هروبا من القصف و العنف الحاصل في ليبيا أثناء ما سمى بثورة 14 فبراير و تحملت المصحات التونسية إيواء الجرحى و معالجتهم رغم صعوبة الظرف التي تعيشه تونس بعد الثورة و لا تزال إلى اليوم تبحث عن كيفية استرجاع مصاريفها بعد أن نكثت الحكومة الليبية كل وعودها كعادتها مع الجانب التونسي منذ عهد العقيد الراحل إلى اليوم.

العبث السياسي و اللعب  بالعواطف التي لا تسمن و لا تغني من جوع

في المقابل كافأتنا الميليشيات الليبية باختطاف أبنائنا و التنكيل بهم بصورة وحشية و مساندة الجماعات الإرهابية للتهجم و الهجوم على التراب التونسي و تبقى حادثة بن قردان وصمة عار أخرى في جبين العقوق الأخلاقي الليبي لن تمحى بسهولة.

 ليس من المنطق أن نتجنب التنسيب على اعتبار أن هناك من الليبيين من يؤمن  فعلا بحق الجوار لكن من الواجب أن نذكر أن ما عاناه الشعب التونسي من تعسف و استكبار و احتقار من القيادة الليبية في عهد العقيد الراحل معمر القذافى و من بعض القيادات الحالية قد ترك آثارا نفسية وجدانية سلبية جدا و لولا ما يتميز به التونسي من تسامح و بعد نظر لكانت العلاقة بين الشعبين متوترة و غير صافية.

ربما حان الوقت اليوم للإخوة في ليبيا هذا إن تحقق الوفاق و زالت لغة العنف هناك و بعد كل ما حدث أن يراجعوا مواقفهم بالطول و بالعرض و بما يجعل العلاقة بين البلدين تقوم فعلا على حسن الجوار و روابط القربى و لغة المصالح و دعنا نقول أنه و بعد ما حصل و ما نراه يحصل بين الدول العربية فالأحرى أن تقوم العلاقة مستقبلا على الندية و احترام السيادة و لغة المصالح لا غير لأنه من المؤسف أن تذهب الاستثمارات العربية إلى دول إفريقية و أوروبية بقدر لا تجوز مقارنته أصلا بحجم الاستثمارات البينيّة.

لقد حان زمن التوقف عن العبث السياسي و الإقلاع نهائيا عن اللعب  بالعواطف لأنه لم يعد مقبولا أن تتعرض تونس لممارسات بعض الميليشيات الإرهابية التي تنتهك حقوق التونسيين دون حسيب أو رقيب كما  أنه لم يعد مقبولا أن تستمر ضغوط هذه الميليشيات على الحدود لأن تونس ستدافع عن نفسها و حينها ستتغير كثير من الأمور.

محلل و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.