الرئيس التونسي قيس سعيد الذي منحوه كل الألقاب بيده كل السلطات (التشريعية و التنفيذية و القضائية) و لكنه “ما يحكمش”، و إن حكم “ما يعرفش” و إن أخطأ “ما يعترفش”. فمن يحكم تونس إذن و يتحمل مسؤولية الفوضى الحالية في البلاد ؟
بقلم أحمد الحباسي
هذا هو المهدي المنتظر الذي تحول في نظر الكثيرين إلى ما يشبه المسيح الدجّال بل لنقل أنه الرجل الأسوأ في قائمة السيئين وهو الأفشل في قائمة كل الذين فشلوا في قيادة البلاد منذ بزوغ شمس هذه الثورة المحنونة.
هذا الرئيس مختلف في الشكل و المضمون عن كل رؤساء العالم مدنيين أو عسكريين و لعله الرئيس الذي جاء بالخطأ في اللحظة الخطأ ليمارس السياسة مرتكبا كل الأخطاء.
هذا الرئيس الذي لا يبتسم حتى في مجالسه الخاصة
نحن فعلا أمام ظاهرة غير مسبوقة و شفرتها غير قابلة للكسر و أمام شخص كتوم لا تنفع معه جميع محاولات الاستكشاف و المناظير و آلات السكانار و لذلك يتساءل الجميع في ذهول رئيسنا من يكون و لولا ذرة خجل لكشف البعض عن شكوكهم و وساوسهم المتعلقة بصحة مدارك هذا الرئيس الذي لا يبتسم حتى في مجالسه الخاصة و لا يخصص مجرد ساعات لكشف رؤيته في الحكم في صحبة وسائل الإعلام.
“ما يحكمش”، مع أن لديه كل السلطات و لذلك تلاحظ بأم العين أن البلاد “بلاش أمالي” كما يقال، البلاد ماشية بقدرة الله و بحماية أولياء الله الصالحين.
الكل يحكم في تونس بداية من المهرب للمحتكر للقاضي الفاسد للمعلم المتشبث بالدروس الخصوصية لبائع الزطلة و سطل الهندي و تاجر الدجاج الأبيض و بائع الماء “الصبّة” إلا الرئيس فله كل السلطات و ما يحكمش.
بمرور الوقت تحول الرئيس من صاحب شرعية انتخابية إلى منقلب ثم إلى مستبد و قانونه الأخير الذي يقمع حرية الرأي دليل فاضح على قصر نظره و رجعية أفكاره و تزمتها.
نحن اليوم أمام رجل امتلك كل السلطات باعتماد قراءة عرجاء للنص الدستوري الذي أقسم أعظم الإيمان على احترامه و أمام شخص يملك نزعة استئصاليه باسم تحريف القانون و تأويله فى غير موضعه و مراد واضعه.
الملاك الوحيد في غابة الشياطين
واضح بالعين المجردة أن الرئيس فاقد للسيطرة و “ما يحكمش”. ما نراه في التلفزيون ليس عينة من الحكم بل هي مساحة خطابية سخرها الرجل للتنفيس عن صدره المليء بالأفكار السوداء التي جعلته يتصور أنه الملاك الوحيد في غابة الشياطين.
“ما يحكمش”، لذلك وصل حال البلاد إلى القاع و الرئيس بطبيعة تكوينه لا يملك حلولا و لا رؤية لإنقاذ البلاد، ما لدى الرئيس هي بعض الأفكار البسيطة المتناثرة التي ربما تصلح لقيادة عائلة ولكنها لا تصلح لقيادة 12 مليون تونسي بات أغلبهم مصرا على الحرقة و الهروب من وطن الحلم المهدور.
ربما يملك الرئيس طاقما من الكفاءات و لكن المشكلة ليست في هؤلاء بل في الرئيس الذي لا يدرى ما يفعل بهم و في أي مجال يستفيد منهم.
ربما أضافت مديرة الديوان الرئاسي السابقة السيدة نادية عكاشة بعض البهارات في محتوى تسريباتها التليفونية لكن من الواضح أنها لم تبتعد كثيرا عن الحقيقة حين تؤكد عدم شعور الرئيس و فهمه لما يحدث، خذ مثلا معضلة التزويد بالمواد الأساسية فلماذا لم يقدر الرئيس على حلّها أو التخفيض من وقعها على جيب المواطن.
بطبيعة الحال كان على الرئيس تغيير كامل الطاقم الحكومي و عزل رئيسته الفاشلة لكنه لم يفعل و من لم يفعل و البلاد سائرة نحو الهاوية ظاهر أنه “ما يحكمش”.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك