من الواضح اليوم و بعد أن خرج رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي من مقر الأبحاث بالقرجانى رافعا علامة النصر أن ملف المحاسبة قد بقى مجرد شعار أجوف يتسلّى به الرئيس قيس سعيد في كل مناسبة من باب ربح الوقت و من الواضح أن القانون عدد 54 لسنة 2022 قد جاء لتكميم أفواه الأحرار الذين يدافعون فعلا على استقلال القضاء و تنفيذ شعار محاسبة خونة الوطن.
بقلم أحمد الحباسي
من البداية دعنا نتساءل عن سر توقيت صدور المرسوم عدد 54 لسنة 2022 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال و علاقته بما يجرى داخل الغرف المظلمة لكل الفرق الأمنية المتعهدة بالأبحاث في ملفات الإرهاب و التسفير والتخاطب مع الخارج و التمويل الخارجي المشبوه و تبييض الأموال إلى غير ذلك من الملفات الحارقة المتعلقة بأمن الدولة التونسية.
بطبيعة الحال التوقيت مهم و يدفع إلى إلقاء كثير من الأسئلة من بينها: هل يريد الرئيس أن يكمم الأفواه بعد تصاعد ضجيج الشارع الذي يتساءل بكل استغراب و دهشة عن سر عمليات استدعاء قيادات النهضة للبحث في هذه الملفات الخطيرة ثم الإفراج عنهم بعد ساعات مع ما يرافق ذلك من حملات إعلامية تنظمها أوركسترا مشبوهة و مضللة يقودها الأستاذ المتلون سمير ديلو و تضم ماهر مذيوب و عبد اللطيف المكي و طبعا نورالدين البحيرى.
وقفت الزنقة للهارب
أيضا: هل هناك علاقة بين صدور المرسوم و بين كل التصريحات و المواقف التي من بينها مواقف السيدة عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر و التي تعتبر أن الرئيس قيس سعيد قد فقد الشرعية.
لقد وقفت الزنقة للهارب هذه المرة و لم يعد هناك مجال للتهرب من طرح كل الأسئلة بعد أن تبيّن للرأي العام على وجه التحديد أن هناك مساع و تصرفات و وقائع و التباسات تؤكد أن ما يحدث داخل مقرات الأبحاث هي مسرحية متعددة الأشكال تتم على فقرات و محطات و تواريخ غايتها الوحيدة ربح الوقت و تدوير الزوايا و تضليل الرأي العام حتى يمر الوقت و يفعل مفعوله في ذاكرة النسيان كما فعل فى ملفات كثيرة تم فيها استعمال نفس الطريقة و من بينها ملف شبهة محاولة اغتيال الرئيس السابق الباجى قائد السبسى و ملف الطرد المسموم الموجه للرئيس قيس سعيد و ملف التخابر المتعلق بشفيق الجراية و ملف الأموال المهربة.
لعل أول الأسئلة المطروحة بقوة هو لماذا يصمت الناطق الرسمي باسم هذه الفرق المتعهدة بالأبحاث عن توضيح ما يحدث و يجيب عن أهم سؤال : هل تأتى عمليات التسريح نتيجة فراغ الملفات كما تدعيه قيادات النهضة يمينا و شمالا و آخرها الحبيب اللوز الذي تعددت الشبهات حوله و تم الإفراج عنه بعد ساعات.
عملية خداع ذهنية كبرى
ماذا يحدث داخل مقرات الأبحاث و ماذا تحتوى ملفات الاتهام و هل هناك تلاعب و هل أن حملات الإرهاب الإعلامية التي تشنها قيادات النهضة و من والاها من أزلام مثل أحمد نجيب الشابى و جوهر بن مبارك هي حملات تضليل مخطط لها بعناية حتى تسلط ضغوطا معنوية على الفرق المتعهدة بالأبحاث و من وراء ذلك على رئيس الدولة و على حكومته الأيلة للسقوط ؟ و بالمقابل هل أن ما يحدث لا يمثل في نهاية الأمر إلا عملية خداع ذهنية كبرى تشارك فيها حركة النهضة و جهات تابعة للرئيس غايتها إرضاء جهات أجنبية تضغط منذ فترة للسماح لرئيس حركة النهضة بمغادرة البلاد حتى يتحقق الانفراج الاجتماعي بعد أن عجز الرئيس عن معالجة مشاكل التموين و الاستثمار و الاقتراض نتيجة حملات الاحتكار التي يجمع العارفون أن حركة النهضة هي من تقف وراءها و حملات الإعلام التي يقف وراءها محمد المرزوقي لدفع المستثمرين إلى اتخاذ مواقف سلبية تعيق معالجة مشاكل البطالة التي استفحلت في الآونة الأخيرة و كان من إفرازاتها كل عمليات “النزوح” البحرية التي أودت بحياة المئات من “الحرّاقة”.
ما يحدث منذ فترة يثير كثيرا من علامات الاستفهام حول حقيقة الدور الذي تقوم به فرق الأبحاث بحيث يتصاعد تشكيك الرأي العام و تثار كثير من علامات الاستفهام التي تنطق بأن هناك شبهة تلاعب أو شيئا من هذا القبيل خاصة بعد أن أكدت النائبة السابقة فاطمة المسدي هذه الشبهات بادعائها الصريح بكون الشكاية التي تقدمت و كانت منطلق الأبحاث في ملف التسفير تحمل كثيرا من الأدلة و الوثائق التي تدين المشتكي بهم وهو نفس الكلام الذي تؤكده السيدة مباركة البراهمي التي كانت ضمن الوفد النيابي الذي تحول إلى سوريا ليتسلم من الرئيس بشار الأسد ملفات تدين حركة النهضة في ملف التسفير. و يضاف إلى ذلك عديد التصريحات الصادرة عن قيادات أمنية عليا مثل السيد عصام الدردورى.
من الواضح اليوم و بعد أن خرج رئيس حركة النهضة من مقر الأبحاث بالقرجانى رافعا علامة النصر أن ملف المحاسبة قد بقى مجرد شعار أجوف يتسلّى به الرئيس في كل مناسبة من باب ربح الوقت و من الواضح أن القانون عدد 54 لسنة 2022 قد جاء لتكميم أفواه الأحرار الذين يدافعون فعلا على استقلال القضاء و تنفيذ شعار محاسبة خونة الوطن.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك