لقد طال الانتظار و تبين بالمكشوف أن وعود الرئيس قيس سعيد لا تختلف عن سحابة الصيف لكن الطامة الكبرى أن سيادته رغم ارتفاع الأسعار و ندرة المواد التموينية و هبوط مؤشرات الثقة في الدولة برمتها لا يزال مصرا على الضحك على ذقون الناس بمزيد إطلاق الوعود الهلامية التي لن تؤدي إلى مكان بل تزيد من ارتفاع جنوني لمنسوب الإحباط و اليأس.
بقلم أحمد الحباسي
يا سيادة الرئيس، خلاص، و الله خلاص، شبعنا وعودا و خطبا و تهويلا و مدا و جزرا و اتهامات و كلاما كبيرا عن مؤامرات و عن سرّاق و فاسدين و عملاء. خلاص، لم نعد نتحمّل، فاض الكأس و من نلاقيهم في الشارع يحملون نفس الأحساس بالإحباط و الألم و الخيبة.
الحقيقة المرّة و السؤال المكرر حتى الملل و الذي لا نجد له جوابا على مدى الأربعمائة يوما من حكم الرئيس على الأقل يبدأ بمتى يتحرك و ينتهي بجملة من عبارات و مشاعر اليأس و القنوط…
مطالب المواطن بسيطة تتعلق أساسا بلقمة العيش و بموطن شغل و بعض “الكماليات” مثل مكان في الحافلة الصفراء و الحصول على رطل من السردينة أو بعض أفخاذ الدجاج الأبيض التي عانقت أسعاره عنان السماء فى حين يصر وزراء حكومتنا الموقرة أن أمور التزويد “هانية” و “خمسة زيت” و “مريقلة” إلى غير ذلك من تلك العبارات التي تضحك بها هذه الحكومة السيئة و الفاشلة على أغلبية الزواولة.
نحن شعب أغبى من الغباء نفسه
صحيح نحن شعب غبي و إلا كيف نصنع ثورة بدم الشهداء و نتركها حلالا بلالا و بدون أن نقبض حتى “الهبوط” لزناة السفارات و دكاكين المخابرات و باعة الضمائر؟
نحن شعب أغبى من الغباء نفسه و إلا كيف ننتخب شخصا بلا ماضي سياسي ولا عائلة فكرية صريحة و لا مشروع قابل للتنفيذ ليتحول بقدرة غبائنا السخيف إلى رئيس كامل السلطات يتحكم في رقابنا بفضل دستور مصنوع على المقاس و بمساندة وزير داخلية همه الوحيد هو إسكات كل صوت معارض و حكومة معلولة تشبه السيدة “النافس” التي ترفض القيام من السرير بعلّة أنها ستنجب الولد الذي طالما حلم به سى السيد.
لقد طال الانتظار و تبين بالمكشوف أن وعود السيد الرئيس لا تختلف عن سحابة الصيف لكن الطامة الكبرى أن سيادته رغم ارتفاع الأسعار و ندرة المواد التموينية و هبوط مؤشرات الثقة في الدولة برمتها لا يزال مصرا على الضحك على ذقون الناس بمزيد إطلاق الوعود الهلامية التي لن تؤدي إلى مكان بل تزيد من ارتفاع جنوني لمنسوب الإحباط و اليأس.
الرئيس في واد و مطالب الشعب المفلس في واد آخر
لنعترف و نعطى لقيصر قرطاج ما لقيصر قرطاج، لنعترف بأن للرجل مؤهلات فى صياغة الخطب أو العبارات و تنميقها و زخرفتها ببعض التلميحات التاريخية (من نوع “بغلة العراق”) وعلى هذا فهو يستحق أعلى الشهادات في فن التضليل و إدمان الخطاب المعسول المشبع حدّ التخمة بالوعود التي لا تخرج كلها عن الأوهام التي لن ترى النور.
لقد استمع الناس لخطب الوعد بتصحيح المسار و بالعدالة الاجتماعية و باسترجاع الأموال المهربة في الجنات الضريبية و بمحاسبة الفاسدين و رأى الجميع كيف حمل سيادة الرئيس ذلك الملف الكبير الذي قال أنه يحمل أسماء خونة الوطن و ناهبي ثرواته و المتعاملين مع الخارج و سمعناه يتلو القسم وراء القسم بكونه سينتصب لمحاسبتهم الحساب العسير و مرت الأيام و دارت الأيام على رأي السيدة أم كلثوم و لم نشاهد ربع فاسد واحد في قفص الاتهام.
لقد اجمع العارفون بأن مطالب الناس بسيطة و بسيطة جدا لكن الرئيس كان في واد و مطالب الشعب المفلس المنكوب في واد آخر.
لم نسمع إلا الوعود و لا نزال رغم أن المطالب المطروحة على حكومة الفشل الدائم بسيطة لكن سيادة الرئيس الذي عاهد الناس بإتباع سياسة المصارحة و الشفافية و فضح الفاسدين و تقديمهم للعدالة و استرجاع المليارات المنهوبة لم يصن العهد للأسف وبقى الجميع من باب السخرية يترقبون قوائم بأسماء الفاسدين وعددهم و هل ستكون بالآلاف أو بالمئات أو بالعشرات و الأمر يستدعى كما يقول بعض الظرفاء بعض الوقت لذلك يقترحون من باب الكوميديا السوداء و اختصارا للوقت أن يصدر كتابا بأسمائهم حسب الحروف الأبجدية.
ألسنة التضليل تمعن في تبييض الانقلاب الرئاسي
لقد أصبح المشهد السياسي و الاجتماعي غائما و مشوشا و لا أحد حتى من أكثر المتفائلين قادرعلى استيضاح الصورة أو التنبؤ بما ستحمله الأيام القادمة.
لعل المشكلة الكبرى مع الرئيس أنه يتصرف بمنتهى البطء و يذهب إلى تنفيذ بعض الأفكار الهامشية و يظن أنه على الطريق السوي في معالجة المشاكل التي يواجهها المواطن يوميا بل أن الرئيس رغم اشتعال كل الأضواء الحمراء و كل التحذيرات من أهل الاقتصاد و حالات الغضب الشعبي و آخرها في مدينة دوار هيشر لا يزال يظن أنها ظواهر معادية و مشبوهة لا تستحق مجرد الانتباه أو الإنصات إليها.
هناك أجندة خفية للرئيس هذا لم يعد سرا و هناك محاولة مستمرة للسيطرة على كل مقاليد السلطة هذا ثابت أيضا و هناك سعى مفضوح لضرب حرية الإعلام و التعبير و هناك قبضة بوليسية جامحة يمثلها وزير الداخلية السيد توفيق شرف الدين تتأكد مع كل مظاهرة معارضة و الأمرّ من كل ذلك أن هناك ألسنة سوء و تضليل مثل السادة أحمد شفتر و رياض جراد و نجيب الدزيري تحاول بكل الطرق الملتوية و الفاقدة للمنطق و الموضوعية أن تبيّض الانقلاب الرئاسي و تلبس الباطل لبوس الحق راغبة فى تكوين رأي عام مساند للنزعات السلطوية للسيد الرئيس و لا بأس أن نشير أن برنامج “موعد التاسعة” التي تديره السيدة ملاك البكارى قد بات منبر دعاية مغشوشة لتمرير كبسولات تنويم مغناطيسي لعقول المتابعين الذي تفطنوا ربما بكثير من التأخير إلى ما يقدمه هذا المطعم من وجبات مسمومة.
في النهاية لقد أثبت التاريخ أن كل الحكام الذين تعاقبوا يسقطون إلى قاع القاع حين يختارون جبة الزعامة الزائفة و ينحازون إلى طمع و بهرج السلطة على حساب ألام الشعوب.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك