الشعوب لا يمكن حكمها بالقبضة البوليسية كما يظن رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد و وزير داخليته توفيق شرف الدين و الشعوب هي من تقف ضد كل الطغاة عبر التاريخ و لعله من المفيد لمن يحكمون اليوم أن يراجعوا دروس التاريخ جيدا قبل اتخاذ أية قرارات ذات طبيعة قمعية.
بقلم أحمد الحباسي
ما يجرى فى تونس اليوم يتطلب متابعة لصيقة و بحثا مجنونا عن مصادر معلومات و كثيرا من الحنكة السياسية لفهم ما يحدث أو لنقل فهم ما يدور هذه الأيام في رأس وزير الداخلية السيد توفيق شرف الدين. لفهم ما يحدث و ما يمكن أن يدور فى ذهن وزير الداخلية الذي لم تتورع السيدة نادية عكاشة المديرة السابقة لديوان الرئيس قيس سعيد بالإشارة إليه بصورة مبطنة “ببلا شرف و بلا دين” في إيحاء فهم منه المتابعون ما تختزنه هذه السيدة من غضب و حقد تجاه من يعتبره البعض الذراع البوليسية القوية الوحيدة فى منظومة حكم الرئيس قيس سعيد يجب متابعة تصرفاته ضد رئيسة الحزب الدستوري الحر الأستاذة عبير موسي و بالذات ما تعرضت له منذ ليلة السبت 15 :كتوبر 2022 من هرسلة مباشرة وصفتها هذه السيدة بعملية اغتيال سياسية على المباشر.
بطبيعة الحال لم تنطق السيدة نادية عكاشة من فراغ و من المؤكد أن ما في جعبتها من أسرار تهم هذا الوزير هو الذي أطفأ أو أغلق ملف التحقيق المفتوح ضدها بعد أن تيقّن المتابعون أن وراء الأكمة ما وراءها.
حكومة اللاوعي الاقتصادي و الفشل السياسي
في حكومة اللاوعي الاقتصادي و الفشل السياسي و الارتباك اليومي التي تديرها السيدة نجلاء بودن يظهر السيد وزير الداخلية كطفل مفرط الدلال مجاب الرغبات جعل منه الرئيس أو جعل من نفسه الحاكم بأمره و الفاتق الناطق و الشخص الذي لا يتقيد بأية ضوابط سواء تعلقت باحترام حقوق الإنسان أو بالحريات العامة أو بحق التظاهر.
ربما يلتقي وزير الداخلية مع الرئيس في عدة نقاط سلبية أهمها كيف يلغى الآخر و يقصيه و يعتدي على حقوقه بعد أن أصبحت لقاءاته مع الرئيس فرصا لتلقى دورات مكثفة في كيفية إلغاء الأصوات المعارضة و حفر الخنادق لدفنها كما يحدث مع رئيسة الحزب الدستوري الحر.
دروس السيد الرئيس تشمل كيفية إنكار الآخرين و رفضهم و طرد كل فكرة لا تشبه التفكير الصدىء لسيادته كما تشمل لفت اهتمام وزيره أن مجرد وجود أشخاص آخرين يمارسون المعارضة حتى لو كانت سلمية فكرة تستفزه و تحرق أعصابه التي ألقت السيدة نادية عكاشة ضلالا من الشك حول سلامتها.
هكذا بدأ الحديث في كثير من المنابر الإعلامية عن السيد توفيق شرف الدين كشخص لا يؤمن بالحوار و لا بالمعارضة و لا بالأحزاب و لا باللعبة الديمقراطية و ربما لا حتى بالنظام الجمهوري بعد إن ابتدع السيد الرئيس نظام ما يسمى سخرية بالتعاضديات الشعبية في تقارب ذهني مع أفكار العقيد الراحل معمر القذافي و قريبا ربما كتابا ملونا لا يختلف عن الكتاب الأخضر خاصة في علاقة بإلغاء الأحزاب و البرلمان و الملكية الخاصة.
هناك من يتجاسر بوصف الوزير بالدكتاتور الصغير بعد إن استفرد السيد الرئيس بلقب “الدكتاتور شايل سيفه” و هناك من ينبه بأن صغار الدكتاتوريين قد آجروا عقولهم لفهم واحد يرفضون سماع غيره وهم في ذلك مستمرون إلى حين لقاء حتفهم بعدما تتصاعد إرادة الشعوب و يحين وقت إسقاط الأصنام و كسر أغلال الاستعباد.
ردع ممارسة العنف البوليسي الوحشي ضد المعارضة
ما الذي يدفع وزير الداخلية إلى ممارسة العنف المفرط و القمع الوحشي للحزب الدستوري الحر؟ لماذا يتغاضى الوزير عن كل تجاوزات ما يسمى بجبهة الخلاص؟ لماذا يمنع الأستاذة عبير موسي من التعبير عن رأيها و يرمي ببعض الأعوان الفاقدين للرصانة و ربما لمفهوم الأمن الجمهوري لإثارة أعصابها و افتعال ردات فعل غير منتظرة أو محسوبة و لماذا لا يكلف الوزير نفسه التعامل مع المعتصمة منذ يومين كمواطنة و ليس كمعارضة للنظام تستحق العناية الطبية و تلقى الاحترام ما دامت تمارس المعارضة السلمية المكفولة في القانون الدولي؟ لماذا يرفع الوزير شعار الترحيب المزيف بالمعارضة في حين يتعمد الزج بأعوان المؤسسة الأمنية في بوتقة مواجهة المتظاهرين مع ما يمكن أن يتوقع حدوثه من تجاوزات عنيفة لبعض الأعوان؟
هل يتعمد الوزير تقديم تقارير أمنية غير صادقة للرئيس أم أن هذا الأخير على إطلاع و هو من يقف وراء هذه الحملات التعسفية التي تلقى النفور في قلوب التونسيين و تطرح أكثر من سؤال.
في مطلق الأحوال لم تعد هناك دولة و لا مؤسسات و لا رقابة قضائية أو برلمانية و لم يبق من آثار سوى رئيس الدولة المعزول جماهيريا و الذي تتضاءل نسبة الثقة فيه بشكل كبير و وزير الداخلية الذي تتعالى الأصوات بعزله و فضح عمليات القمع التي يمارسها دون رادع بتقديم عرائض تشكي لدى المنظمات و المحاكم الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان و ردع ممارسة العنف البوليسي الوحشي ضد المعارضة.
بطبيعة الحال الشعوب لا يمكن حكمها بالقبضة البوليسية كما يظن رئيس الدولة و وزيره و الشعوب هي من تقف ضد كل الطغاة عبر التاريخ و لعله من المفيد لمن يحكمون اليوم أن يراجعوا دروس التاريخ و لهم في سقوط نظام أوقيستو بينوشي في الشيلي و سقوط أنظمة استبدادية أخرى مواعظ و بطبيعة الحال لن يصمت الشعب على الاستبداد و العنف و الجوع لذلك تعالت أصوات “أرحل” و قريبا سيتم الرحيل.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك