لا بدّ أن نتفق أنّ الأمن يتجدّد وأن هذا التطور لا يعني التبديل أو التغيير أو الانحراف، فهو تجديد يرتبط بحركة الفكر الأمني وما يطرأ عليه من متغيرات في الزمان والمكان. لكن الإجابة عن هذا السؤال المتجدّد عادة ما يتم من منظور شخصي، وأرى أننا بحاجة إلى حسم ذلك وإلى تقديم ما يلزم، وتجاوز الفهم الضيق لهذه الأسلاك العتيدة وخاصة ما تواجهه من صعوبات لفك الاشتباك بين الانضباط والتجاوزات.
بقلم العقيد المتقاعد محسن بن عيسى
كثيرا ما يثار النقاش بخصوص ضرورة الحفاظ على “الأمن الجمهوري”، هذا المصطلح الذي ظهر بعد 2011 وكرسته النصوص رغم طابعه السياسي، ومن ذلك النقابات والتعاطي مع الأوضاع الأمنية وأخيرا هل حصلت تونسة الأمن فعلا؟
لن أخوض في التفاصيل لأن الإطار لا يسمح، هذا فضلا عن معالجتي لبعض المواضيع المتصلة سابقا، وأكتفي بالإشارة وأنه بإمكان المهتم بمسيرتي الأسلاك الشرطة والحرس أن يعود لبعض المراجع فتاريخ الأسلاك مدوّن ومحفوظ، وعلى سبيل الذكر لا الحصر:
1 – رسالة دكتوراه لمحافظ الشرطة أول ياسين العياري حول “جهاز الشرطة زمن الاستعمار” وحديثه عن تونسة الأمن يوم 18 افريل 1956 وتعيين اسماعيل زويتن مندوبا للأمن والنظام العام خلفا للسيد “جون فرنسيس” وما تبع ذلك من إعفاءات لتطوير الجهاز وجعله تونسيا ووطنيا خاصة سنة 1968.
استعرض الباحث في الكتاب الذي أصدره الفصول التاريخية المتصلة ببعث جهازي الشرطة والأمن العمومي طيلة 75 سنة من الحضور الفرنسي من 1981 الى 1956. وتحدث عن قيادات ما بعد الاستقلال التي تمت تسميتهم في مسؤوليات عليا ولا اعتقد ان هذه النخبة حافظت على أساليب فرنسا في التعاطي مع قضايا الأمن.
2- كتاب العقيد المتقاعد محسن بن عيسى حول “الحرس الوطني: الذاكرة والتاريخ 1956-2011″، والذي جمع موروث الحرس الوطني واستعاد ما تشظى من ماضيه ” أحداثا وشخصيات”. لقد قدّم هذا الكتاب حوصلة لأكثر من خمسة عقود من تاريخ الحرس الوطني وتطوره من تشكيلات “مقاومين وفلاقة” إلى سلك دقيق الهيكلة شديد التنظيم.
هذا السلك الذي قاومت رجاله فرنسا والإدارة الاستعمارية، وليس منصفا أن نتجاهل هذه الإضافة الأمنية الوطنية البحتة لدولة الاستقلال.
لا يجوز لنا على أية حال أن ننكر للدولة التونسية ما لها من فضل في تقدم أسلاك الأمن الداخلي، وطبيعي ألا يمنعنا هذا الاعتراف بالفضل، من الوقوف على مواطن الضعف في حركة التطور حسب مقتضيات حركة التاريخ.
ضابط متقاعد من سلك الحرس الوطني.
شارك رأيك