“فاصل.. بين لطمية وأخرى!
زعم الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان أنّ 150 ألف تونسيّ دخلوا إلى الوظيفة العمومية بشهادات مزيّفة. وذكر أنّ 12 ألفا منهم دخلوا إلى وزارة التربية وحدها. ونسب هذه الأرقام إلى “تقرير صدر أخيرا عن محكمة المحاسبات
” (هكذا).
ألقى هذه الأرقام في منبر تلفزيونيّ. ومن الغد أضحت أرقام سي عز الدين سعيدان حديث المدينة في منابر الإعلام وفي الفايسبوك طبعا.
أدركت في الصباح برنامجا إذاعيّا انقلب إلى مأتم خصّص لرثاء حال الشهادة التونسيّة، ووضع المدرسة التونسيّة بـ”12 ألف من أصحاب الشهادات المزيّفة” أي آلاف من المعلمين والأساتذة الذين يدرّسون بلا شهادات علمية (!!) كما قال سي سعيدان. في غمرة العويل والنحيب قال بعضهم إنّ المتحصّل على النوفيام صار بشهادة مدلّسة مدرّسا لتلامذة البكالوريا!
في الأثناء، يتناقل رواد هذا الفضاء هذه الأرقام. ويساهمون في هذه اللّطميّات. ولم نجد من عاد إلى المصدر المذكور في تصريح السيد عز الدين سعيدان للتدقيق في مصداقيّة هذه الرواية.
منذ يومين وفي نفس المنبر الذي ألقى فيه سي عز الدين سعيدان قنبلته أعيد السؤال ذاته على ضيف جديد. إذن، واضح أنّ الأمر بقي معلقا منذ ذلك اليوم، لم يتمّ البحث والتدقيق ولا التحقيق عن التقرير المزعوم ولا البحث عنه في موقع محكمة المحاسبات أو على الأقل سؤال أحد أعضائها.
موقع محكمة المحاسبات (لا دائرة المحاسبات كما يردّد الرواة) لا يتضمّن هذه الأرقام. وآخر تقرير أصدرته المحكمة هو التقرير 32 الذي صدر منذ اكثر من سنة ونصف خصص لموضوعات أخرى.. التقرير الذي قبله (31) تناول الانتدابات المباشرة والاستثناءية في وزارة التربية ووزارة الشباب والرياضة خصوصاً سنة 2011 و2012 على عهد الترويكا. واغلب الانتدابات من أصحاب العفو العام وذوي شهداء الثورة ومصاببها. وفي التقرير تفصيل في مخالفاتها.
للأسف، الأرقام التي ألقيت في رواية سي عز الدين سعيدان منذ أيام، وتناقلها الرواة مشاة وركبانا، ووقفوا عندها واستوقفوا. وبكوا واستبكوا وذكروا الديار. هي رواية مفبركة. لا راس ولا ساس.
لكن هل الأمور عال العال؟ أليس هناك من دلّس شهادة أو ملفا مدرسيّا هنا أو هناك بعضهم الآن تحت التتبعات القضائية؟
أجل. ثمّة من دلّس شهادة مدرسيّة لعمل أو مناظرة. ثمّة من دلّس شهادة أقدميّة في قاعدة بيانات للاستفادة منها في إدماج أو ترقية. أما أنْ يدلّس 12 ألف شهادات جامعيّة بعد البكالوريا للتدريس في مراحل التعليم المختلفة فهذا افتراء لا أساس له إلاّ الشحن والإحباط وتنشيط الحسينيّات المنتشرة في بر تونس.. أمّا 150 ألف موظف بشهادات مدلّسة فتلك حكاية أخرى.
أعلم أن التونسي اليوم يميل إلى أخبار الكوارث والمصائب والقنابل الصوتية والفرقعات الإعلاميّة، ولكنْ لصالح من؟
ما هو الوعي المبني على معلومات مغلوطة؟ وكيف هو الرأي العام القائم على معطيات لا أساس لها؟ وما مسؤوليّة صنّاع الرأي في البحث والتدقيق والتحقيق، وتحمّل مسؤوليّة الحق في المعلومة الصحيحة.
يغمرني شعور ثقيل بالقرف، ولا أريد أن أعلق لجمهور يدمن المناحات. ولكن شي ينطق.
افة الأخبار رواتها.. والحق احق بأن يتبع!”
(م.خ)
شارك رأيك