في العالم العربي و تونس خصوصا تظلّ حقوق المؤلّف مُنتهكة و غير مضمونة رغم وجود هياكل رسمية كالمؤسسة التونسية لحقوق المؤلّف و الحقوق المجاورة التي لم ترقى إلى مستوى المردودية و الحرفية التي بعثت من أجلها. (الصورة: بيرم الكيلاني و ربيع بن ابراهيم).
بقلم ميلاد خالدي
غالبا ما تكون مسألة حقوق التأليف و الملكية الفكرية copyright ,في العالم شائكة و معقّدة بين الفنّان أو الكاتب من جهة و الشركة أو الهيكل الراعي من جهة أخرى، لما يطرأ على هذا التعامل من سرقة و تحيّل و قرنصة. ونظرا لأهمّيتها القُصوى وقع إدراج حقوق التأليف و الملكية الفكرية، منذ عقود طويلة في الدستور الأمريكي ليحمي حقوق المؤلفين سواء كانوا كُتّابا أو موسيقيين أو صانعي محتوى و غيرهم من المشتغلين في الحقل الإبداعي و الفكري.
لكن في العالم العربي و تونس خصوصا تظلّ حقوق المؤلّف مُنتهكة و غير مضمونة رغم وجود هياكل رسمية كالمؤسسة التونسية لحقوق المؤلّف و الحقوق المجاورة التي لم ترقى إلى مستوى المردودية و الحرفية التي بعثت من أجلها. فهي في الحقيقة واجهة تُعرض من خلالها جميع الممتلكات و الابداعات و الأفكار المُجسّدة لكن زُجاجها مكسور مع أنّ هناك من يستمتع برؤية ذلك.
ربيع بن ابراهيم و الصُلح المُتعثّر…
أن تقوم بسرقة عمل فني أو جزء منه لفنّان دون أخذ إذنه أو دفع مستحقّاته فذلك يعتبر إهانة له و تعدّي صارخ على كيانه المعنوي و المادّي و الوجودي. فما حصل مؤخّرا للمدوّن و صانع المحتوى “”The Dreamer ربيع بن ابراهيم من طرف التلفزة الوطنية هو عيّنة حيّة من القرصنة و التحيّل. فقد عرضت القناة مقاطع فيديو تروّج للسياحة التونسية من تصميم و انتاج ربيع بن ابراهيم بعد حذف شعار قناته على اليوتيوب. الأنكى من ذلك هو أن يخرج مدير التلفزة في وسيلة اعلامية قائلا : “نعتذر من بن ابراهيم و نأمل أن نجد الصلح معه في إطار المحبّة”، رسائل كهذه هي سبب تخلّفنا الإداري و السلوكي والاجرائي. أيُّ صُلح و أيُّ محبّة و أيُّ اعتذار، و أنتم تسرقون جهدي و فكري و بصمتي؟ ما نستشفّه من ردّه هو أن يقبل بن ابراهيم الاعتذار دون ضوضاء كما يجب أن يكون ودودا متسامحا و كفى، دون مُساءلة قانونية أو متابعة مالية. فالشعوب العاطفية المهزومة هي التي تطالب بالصلح و المحبّة و تقدّم الاعتذار عكس الشعوب العملية البراغماتية التي حينما تخرق القانون تعوّض للمُتضرّر مادّيا ومعنويا وليس بإبرام الصلح و المصالحة و المكاشفة بالسفاسف.
بنديرمان و السرقة الحافية…
مثال آخر لا يقلُّ خطورة عن ربيع بن ابراهيم هو الفنّان بيرم الكيلاني المُكنّى بنديرمان الذي رفع قضيّة ضدّ التجاري بنك بتهمة الاستيلاء على مقطع من أغنية له بعنوان “غناية ليك” لتوظيفها في حملة دعائية تجارية. فعوض الاعتراف بجريمة السرقة، أنكرت إدارة البنك ونفت التهمة بتعلاّت ممجوجة من قبيل لم نكن نعلم أنّها من انتاجك و الأمر لا يتطلّب منك كلّ هذا الهرج والشكوى.
ثقافة الاستخفاف بجهد الفنانين ابداعيا و فكريا ليست بالأمر الجديد و لكن المدّ يجب أن يتوقّف اليوم قبل الغد بقوانين حازمة و رادعة مع حملات تحسيسية في الغرض في جميع وسائل الإعلام و منصّات التواصل الاجتماعي لتمرير فكرة أنّ الكتاب أو الأغنية أو المسرحية أو الفيلم أو المحتوى الإعلامي وغيرها، كلّها لها ملكيتها الفكرية الخاصّة بالمبدع و الفنّان و لا يجوز المساس بها أو تحريفها. و في حال وقع الفعل، الأولى و الأجدى أن نتحسّس جيبونا و حساباتنا كي ندفع ليس أن نعتذر و نُنكر الاقتراف.
حقوق الملكية و التأليف هي جملة الحقوق التي تتحرّك ضمن حقوق الأفراد و الشعوب في عموميتها، فإذا ضمنّا العامّ سنضمن بالضرورة الخاصّ و العكس صحيح، لذا فالحقوق لا تّجزّأ: تُؤخذ كاملة و تُسترجع كاملة. فسارق العنوان مثلا هو كسارق النّار يحرق كلّ شيء وحين يُطلب منه أن يُطفئ النار يعتذر و يستلبس…
سارق برتبة كاملة… فقط …ليس إلاّ…
كاتب تونسي.
شارك رأيك