سيكون يوم السابع عشر من ديسمبر المقبل يوما عسيرا على التجربة الديمقراطية في تونس، إذ سنشهد اضطرابا كبيرا على مستوى العملية الانتخابية بعد الدعوات من عديد الأحزاب و الحركات و منظمات المجتمع المدني إلى مقاطعتها، فهل سيمضي التونسيون لاختيار أعضاء البرلمان الجديد ويستمعون لدعوات رئيس الجمهورية قيس سعيد أم أنهم سيقاطعونها استجابة لدعوات المعارضة؟
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
17 ديسمبر هو اليوم الذي انطلقت فيه الشرارة الأولى للثورة التونسية في سيدي بوزيد وغيرت النظام الدكتاتوري في تونس إلى نظام جديد يرنو أن يكون ديمقراطيا لكنه لم يستطع إلى اليوم أن يكون للتحديات والصعوبات الجمة التي تعترض طريقه، فبعد انهيار نظام بن علي في 2011 وجد التونسيون أنفسهم أمام واقع جديد كتبه لهم القدر، ولم يكونوا;يعتقدون يوما أن بن علي نفسه سيهرب وسيترك البلاد بهذه السهولة، ولكن الأمر وقع وبدأ التونسيون حياة جديدة وعهدا جديدا، كانوا يأملون أن يكون أفضل من السابق، لكن الذي حدث هو أن الأحزاب الناشئة التي بلغت أكثر من مائتي حزب لم تكن جادة في البحث عن وسائل لترسيخ الديمقراطية عبر بوابة الانتخابات، بل ظلت تتصارع من أجل أن تحكم البلاد بطريقة أو بأخرى، فحدث ما لم يكن في الحسبان، تصادمت وتقاتلت ونثرت سهام الاتهامات ببعضها البعض وكل حزب يظن أنه الأصلح للبلاد، وكل حزب يتبرأ من أخطائه السابقة وكل حزب يمشي في الطريق وحده ويزيح الباقين.
الرجل المريض
هذه الحلبة أفرزت الكثير من الخصوم، واستهلكت الكثير من الوقت، فضاع على وقْعها المواطنون وخاصة الشباب الذين كانوا دُرة الثورات، وأنهكت الصراعاتُ كاهلَ الدولة فلم تعد قادرة على احتواء الشعب بكل أطيافه، وصارت كالرجل المريض الذي لا يُرجى برؤُه على الأقل في هذه السنين، وفي انتخابات 2019 استبشر المواطنون بقدوم رئيس ديمقراطي جديد لكن المرشَّحيْن في القائمة النهائية ليسا من السياسيين ولم تكن لهم تجربة ثرية في السياسة، فاختار الشعب الأصلح حسب ما رآه، لكن بعد فترة من الزمن لم يقم البرلمان بواجبه كما يجب وبقي مستمرا في صراعه المرير بين حزب إسلامي يقوده الشيخ راشد الغنوشي وأحزاب علمانية وأخرى وطنية تدير الصراع تحت قبة البرلمان فرأينا ما رأينا من الويلات، في هذه اللحظة الكئيبة والحزينة انقسم الشعب التونسي وطالبت فئة كبيرة منهم الرئيسَ التونسي قيس سعيد بأن يتدخل ويضع حدًّا لمهزلة البرلمان فصارت أحداث 25 جويلية 2021.
في اللحظة التاريخية التي اتخذ فيها رئيس الجمهورية قرارات بتجميد البرلمان وحل الحكومة التي كان يرأسها هشام المشيشي، كان جزءٌ كبير من الشعب التونسي يحتفل بهذه القرارات ظنها أنها ستُقصي الفاسدين وتغيّر وجه البلاد إلى الأفضل، ثم تلتها قرارات أخرى مسّت القضاء، وأحدثت دستورا جديدا وغيّرت الحكومة إلى حكومة عيّنها الرئيس
ورئيس حكومته الجديدة السيدة نجلاء بودن، والشعب التونسي مازال ينتظر التغيير الحقيقي على الأرض، واليوم وبعد سنة ونيف من التغيير الثاني بقي الشعب التونسي ينتظر ولكنه في كل مرة بدا يائسا غير متفائل بما يحدث على الأرض، يريد أن يرى شيئا تحقق ولكنه لم ير إلى الآن شيئا يُذكر يمكن من خلاله أن يتمسك به ويفتخر به أنه كان وسيكون.
العزوف و عدم المشاركة
واليوم ننتظر استحقاقًا آخر في 17 ديسمبر اليوم الذي اختاره الرئيس يوما للانتخابات التشريعية رغم كل الظروف السيئة المحيطة، ورغم تذمر الكثير من أطياف الشعب التونسي من العملية الانتخابية ورغم عزوف الكثيرين منهم عنها وعدم المشاركة فيها، ورغم وجود بعض القوائم الفارغة في كثير من المراكز الانتخابية، ورغم الجو السائد عند البعض أن الوقت ليس مناسبا لإجراء مثل هذه الانتخابات إلا أن رئاسة الجمهورية ماضية في تمريرها بكل سلبياتها وإيجابياتها، ويبقى يوم السابع عشر من ديسمبر المقبل يوما عسيرا على التجربة الديمقراطية في تونس، إذ سنشهد اضطرابا كبيرا على مستوى العملية الانتخابية بعد الدعوات من عديد الأحزاب و الحركات إلى مقاطعتها، و منها حركة النهضة وجبهة الخلاص و الدستوري الحر ة أفاق تونس، فهل سيمضي التونسيون لاختيار أعضاء البرلمان الجديد ويستمعون لدعوات رئيس الجمهورية التونسية أم أنهم سيقاطعونها استجابة لدعوات المعارضة؟
وعلى كل حال سنرى كيف ستسير هذه العملية عبر وسائل الإعلام المختلفة منها المؤيد ومنها المعارض، وسنرى من سيفوز بعضوية البرلمان الجديد؟ وهل سيفتح أبوابه بعد أكثر من عام من الإغلاق المتواصل، وما مصير البرلمانيين المجمّدين؟ وهل باستطاعة أعضاء البرلمان التونسي الجديد أن يواصل البناء على قام به سابقوهم أم أنهم سيقطعون مع الماضي ويستأنفون العمل على أسس جديدة من الاحترام والتقدير والعمل والجدّ والمثابرة من أجل تونس الجديدة؟
شارك رأيك