هل كانت أحداث ديسمبر 2010 و جانفي 2011 في تونس ثورة شعبية أم انتفاضة أم انقلابا؟ لعل الإجماع حاصل الآن و بعد أن انقشع بعض الدخان أن ما حصل لم يكن ثورة و لا انتفاضة و لا انقلاب بل كل ما حصل هو حالة تدافع اجتماعي استغلتها أطراف داخلية و خارجية لإسقاط نظام ظنه البعض قويا و كشفت الأحداث عن هشاشته.
بقلم أحمد الحباسي
الإرهاب فزّاعة، من يتمرنون في الجبال يفعلون ذلك لإزالة الكولسترول. و أخيرا و على رأي المرحوم الباجى قائد السبسي موضوع القنّاصة إشاعة.
بطبيعة الحال تبيّن بالدليل القاطع أن الإرهاب ليس فزّاعة كما أرادت تسويقه المحامية و النائبة السابقة سامية عبّو و من ذبحوا أبناء المؤسسة العسكرية و الأمنية في كامل تراب الجمهورية لم يكونوا مجرد باحثين عن التخلص من الكولسترول بل هم من عتاة الإرهابيين الذين دربتهم و مولتهم حركات أسلامية لوقت الساعة الصفر التي سيتم فيها الاستيلاء على الحكم و التخلص ممن سماهم المدعو عماد دغيج أعداء الثورة.
أيضا موضوع القنّاصة لم يكن مجرد إشاعة كما جاء على لسان الرئيس الراحل الباجى قائد السبسي لأنه قامت من القرائن و التصريحات و الأدلة ما يفيد و يؤكد أن تونس قد عاشت أياما حالكة سمحت لهؤلاء بالقيام بأعمال قتل متعمدة خدمة لأجندة سياسية خارجية متآمرة. هنا يجب أن نطرح السؤال حول دور بعض أجهزة المخابرات الأجنبية في تلك المرحلة و هل شاركت المخابرات الأمريكية في هذه العمليات أم كانت مجرد شاهد ما شافش حاجة.
الغموض ما يزال يشوب أحداث ديسمبر 2010 و جانفي 2011
لا يزال ملف القناصة يثير الجدل كما لا تزال كثير من الأسئلة تدور حول الدور المشبوه الذي لعبته قناة “حنبعل” لمؤسسها السيد العربي نصرة لإثارة نوع من البلبلة في أذهان المواطنين والإيحاء الكاذب بوجود عناصر مسلحة و أشخاص منفلتة تستهدف الممتلكات العامة و الخاصة.
بطبيعة الحال فتح التحقيق عدة مرات في ملف القناصة و أغلق دون نتيجة أو لنقل بمنتهى الصراحة بسبب التعليمات التي كانت مصادرها متعددة من الداخل و الخارج. لم توفق لجنة تقصى الحقائق التي تم تشكيلها للتحقيق في الأحداث الدموية و التجاوزات و الانتهاكات التي حدثت في الأيام الأولى من شهر ديسمبر 2010 بولاية سيدي بوزيد في إزالة نزر قليل من الغموض الذي تعلق بهذا الملف لكن اللافت أن المرحوم الأستاذ توفيق بودربالة رئيس لجنة التحقيق المستقلة قد أشار بأصبع الاتهام إلى وزارة الداخلية متهما إياها صراحة بعدم التعاون خاصة عند امتناعها الغامض عن تسليم قائمة بأسماء الأعوان الذين تم تسخيرهم لقمع الاحتجاجات و بالذات توصيف أنواع الذخيرة المستعملة.
لا يمكن أن يكون هناك دخان بلا نار، هذا ما يقوله المثل الشعبي الشائع، لذلك طرحت و لا تزال كثير من الأسئلة التي بقيت عالقة بدون جواب و الحال أن كثيرا من ملفات شهداء و جرحى الثورة تؤكد أن الإصابات قد حدثت بعبارات نارية لا تملكها أجهزة الشرطة و الجيش مما يؤكد الفرضية المنطقية القائلة أن هناك جهة أو جهات عملت على إشعال الاضطرابات و إدخال الفوضى بغاية الدفع إلى إسقاط النظام وهنا يتساءل الكثيرون حول المعلومات السرية التي تملكها عدة أجهزة استخبارات داخلية و خارجية حول الموضوع و لماذا تم فرض حالة من التكتم و التعتيم المقصود حول هذا الموضوع بالذات.
لم ينف الرئيس السابق لجهاز الأمن الرئاسي السيد على السرياطي وجود أفراد قناصة داخل الجهاز لكنه استبعد تماما فرضية إطلاق الرصاص أو وجود عمليات قنص للمتظاهرين لكن الرئيس السابق فؤاد المبزع لم يستبعد أن يكون هناك عناصر إرهابية راجعة من دول معينة هي من قامت بعمليات القنص التي أودت بأرواح عديد الشهداء.
هل كانت ثورة شعبية أم انتفاضة أم انقلابا ؟ لعل الإجماع حاصل الآن و بعد أن انقشع بعض الدخان أن ما حصل لم يكن ثورة و لا انتفاضة و لا انقلاب بل كل ما حصل هو حالة تدافع اجتماعي استغلتها أطراف داخلية و خارجية لإسقاط نظام ظنه البعض قويا و كشفت الأحداث عن هشاشته.
من يريد قبر الحقيقة ؟
لعل من بين الأطراف المشبوهة التي ساهمت في هذه الفوضى و الارتباك هم القناصة و الذي أكد وزير الداخلية السابق لطفي بن جدو وجودهم مستندا إلى تقارير أمنية استخبارية و شهادات لأكثر من مائة من القضاة و المحامين و الأطباء لكن الغريب في هذا الشأن أنه لا أحد من وزراء الداخلية الذين تعاقبوا من سنة 2011 إلى الآن لم يتجرأ على فتح هذا الملف أو النبش في خفاياه المرعبة وهو ما يؤكد وجود ضغوط داخلية و خارجية للتعتيم و التضليل و اللعب على عامل الوقت بغاية قبر الأحداث.
أيضا لا يجب المرور دون الإشارة إلى ما تخلل محاكمة الضابط العسكري القناص فى القضية عدد 4283 المتهم بقتل المواطن أمين القرامي في جهة بنزرت من تعتيم و ضغوط و ممارسات تمس بحقوق الدفاع حتى لا تنكشف بعض الأسرار حول القناصة و من وراءهم.
لعل ما كشفه برنامج “مبعوث خاص” على قناة فرنسا 2 في تلك الفترة عن وجود بعض الأمنيين الذين كانوا يحملون أسلحة قنص قد زاد من نسبة الشكوك و لكن اللافت أنه و رغم حصول عدة محاكمات و إحالة كل القيادات الأمنية التي كانت على الميدان فإن نتيجة الأبحاث المخبرية حول نوعية الرصاص المستخدم قد بقيت حبيسة جدران المحاكم المتعهدة مما يؤكد أن التحقيق قد كان موجها بعناية شديدة حتى يبتعد قدر الإمكان عن معالجة و كشف حقيقة القناصة و لذلك لم يكن غريبا أن يتجاهل الرئيس الراحل الباجى قائد السبسى موضوع القناصة برمته و لا يطالب مجلس الأمن القومي بطرحه للتحقيق لمعرفة الأسرار الكامنة في هذىا الملف و إذا حاول الكاتب و المخرج يوسف السيداوي في مسرحيته “القناصة” كشف حقيقة القناصة مشيرا إلى دورهم في إشعال نار الغضب في النفوس حتى تتواصل الفوضى لإسقاط النظام فمن المؤكد أنه لا أحد من كل من مسكوا بزمام الحكم بعد إسقاط نظام الرئيس زين العابدين على له مصلحة أو يريد البحث عن حقيقة القناصة.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك