هل ستنجح تونس قيس سعيد في مسارها السياسي الجديد في تحقيق رغبات الشعب التونسي الذي مسّه الضرُّ، وغطّاه الفقرُ، ولبسته البطالةُ، مما دفع بالشباب للهجرة إلى أوروبا بحثا عن حياة أفضل في هذا الاضطراب؟
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
تشهد تونس غدًا انتخابات تشريعية لانتخاب برلمان جديد بديلٍ للبرلمان الذي جمّده الرئيس التونسي قيس سعيد، وهي انتخابات يحوم حولها جدلٌ كبير بين أطياف الشعب التونسي إذ قاطعتها أكثر الأحزاب السياسية لأنها ترى فيها امتدادًا للانقلاب على الديمقراطية كما تزعم، بينما تؤيّدها قوى أخرى ومنها جزء من الشعب وترى فيها تغييرا إيجابيا نحو المسار الديمقراطي الجديد الذي اختطه رئيس الجمهورية.
وتأتي هذه الانتخابات في وقت فشلت جبهة الخلاص في تأجيلها عبر احتجاجات مُحتشمة قامت بها يوم العاشر من ديسمبر لتعطيلها، ويبدو أنها تراجعت عن الموقف المتشدد الذي كانت عليه بعد أن رأت الجموع القليلة جدّا التي تؤيدها في مسارها الاحتجاجي على قرارات رئيس الجمهورية السيد قيس سعيد، كما أنها تأتي للخروج من حالة الجمود السياسي التي مرت بها تونس طوال الفترة الماضية وخاصة بعد تجميد البرلمان وتشكيل حكومة جديدة بقيادة السيدة نجلاء بودن.
فتونس اليوم وبعد سحب اسمها من قائمة البلدان التي سيتحاور معها صندوق النقد الدولي لمدّها بمساعدات مالية قدرها مليارا دولار، تشهد اضطرابات مالية واقتصادية واجتماعية، ولم تستطع إلى حدّ الآن الخروج من أزمتها لاعتبارات عدّة منها أو أبرزها التشكّل السياسي والتعقيد الاجتماعي والترهّل الاقتصادي، وبعد قرار صندوق النقد الدولي يبقى الجدل قائما ومحتدما بين فئات الشعب التونسي وتونس الدولة تعيش انتخابات مهمة جدا لا يراها الكثير أنها كذلك وأنها تخدم الدولة، بل يراها امتدادًا لقرارات السيد قيس سعيد الذي يواصل مساره السياسي رغم جميع التحديات والصعوبات والتهديدات من هنا وهناك.
ضرورة التحاور مع الدول المانحة
وإذا نظرنا إلى الوضع العام العالمي، نستطيع القول إن المعارضة في تونس تسعى إلى التهويل كثيرا في وصف الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية هناك وتتعمّد إثارة الرأي العام وتهييجه وتأجيج روح الاختلاف مع السّلطة لعلها تحصل على غنيمة، وقد حاولت مرارا وتكرارا ولم تُفلح لأنها ببساطة لا تملك الرصيد الشعبي الكافي لتمرير
أجنداتها المتنوعة، ولأن الشعب يراها جبهة ضعيفة لا تملك من القوة شيئا ولا من الخطط عقلا، بل إن هدفها الأول والأخير كما يقول رئيس الجمهورية هو الوصول إلى السّلطة وإبعاده أو نفيه هو منها، ولكن في المقابل حتى لو وصلت إلى هدفها هذا فلن يرحمها الشعب التونسي لأنه ضاق المُرّ وهو يعيش في جلبابها طوال السنوات الماضية.
وإذا مرت الانتخابات التشريعية بسلام، وأقبل الشعب التونسي على انتخاب أعضاء البرلمان الجديد، رغم كل التحديات والصعوبات من عزوف الناخبين وعدم الترشح في كثير من الدوائر الانتخابية أو بها مرشح واحد، ومقاطعة الأحزاب السياسية، فإن تونس تشهد فصلًا آخر من فصول الديمقراطية الحديثة وهو إنشاء برلمان يسمع للشعب لا للحزب، ويدافع عن قضايا الشعب لا عن أجندات ومصالح الأحزاب الضعيفة والمتقطّعة والمتقاطعة، ويبدأ العمل في مقر مجلس النواب بباردو لتظهر فيه شمعة مضيئة أخرى بعد أن ساده الظلام طوال الفترة الماضية.
مواجهة العجز المالي للدولة
ولمواجهة العجز المالي القائم بعد سحب اسم تونس من اجتماعات صندوق النقد الدولي، ينبغي على الرئاسة والحكومة والبرلمان الجديد التحرك فورا على جميع المستويات لتوفير السيولة المالية والعُملة الصعبة عبر التحاور مع الدول المانحة خاصة الدول العربية التي تملك رصيدًا هائلا من مخزون هذه العملة مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر، وضخّ ما يمكن ضخّه في البنك المركزي التونسي لتتحرك دواليب الاقتصاد كما فعلت هذه الدول مع جمهورية مصر العربية وهو حلّ يمكن أن يُخرج تونس ولو مؤقتا من عنق الزجاجة الذي مازالت تعاني من تبعاته.
فالمشكلة في تونس اقتصادية واجتماعية بالدرجة الأولى وليس سياسية لأن الدولة قائمة بذاتها وأركانها ومؤسساتها، ويبقى التفكير مليا في طريقة لتعويض النقص الكبيرالحاصل في منظومة الاقتصاد الوطني حتى تتنفس مؤسسات الدولة وتأخذ مسارا جديدا للعمل الوطني وفق أولويات وضوابط جدُّ دقيقة لئلّا يتلاعب أحدٌ بهذه المصادر المالية المهمة وتكون تحت رقابة صارمة حتى تؤتي أكلها بعد أن تأخذ مساراتها، فتونس لها إمكانات قوية ومتنوعة سواء في الموارد البشرية أو في الموارد الطبيعية واستغلالها أحسن استغلال بعيدا عن الاحتكار والتهريب والتجارة المستترة.
فهل ستنجح تونس في مسارها الجديد لتحقيق رغبات الشعب التونسي الذي مسّه الضرُّ، وغطّاه الفقرُ، ولبسته البطالةُ، مما دفع بالشباب للهجرة إلى أوروبا بحثا عن حياة أفضل في هذا الاضطراب؟
شارك رأيك