هل يستسلم الرئيس قيس سعيّد لدعوات المعارضة ويترك منصب رئيس الجمهورية طواعية دون ضمانات حقيقية لئلا يحاسب إن ترك المنصب واقعا، وهل سيبقى في منصبه إلى انتهاء عُهدته رغم التهديدات أم أن المعارضة ستكثف من تأثيرها على الشعب حتى يثور عليه ويخرجه من قصر قرطاج؟
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
أظهرت نتائج الانتخابات التشريعية لانتخاب أعضاء البرلمان التونسي التي أقيمت يوم السبت الماضي 17 ديسمبر 2022 في تونس أن نسبة الإقبال ضعيفة وهزيلة لا ترقى أن توصف بالانتخابات في العُرف الانتخابي، إذ لم تصل نسبة الإقبال 12% من عدد الناخبين المسجلين، وفي ذلك دليل على عزوف رهيب من هؤلاء الناخبين على المشاركة فيها على عكس ما رأينا في الاستفتاء على الدستور الذي أقيم في 25 جويلية الماضي.
ورغم أن رئيس الجمهورية قيس سعيد اختار يوم السابع عشر من ديسمبر وهو اليوم الذي بدأت فيه شرارة الثورة التونسية على الظلم والقهر ودعا جميع أطياف الشعب التونسي إلى المشاركة ترشيحا وترشّحا إلا أن الشعب التونسي لم يعبّركما ينبغي في هذه الانتخابات عن اختياراته، مما جعل المحللين يصرّحون بأن الانتخابات التشريعية التي جرت باهتة وهزيلة وتصوّر حالة اليأس الشديد لدى الشعب التونسي من حصول تغيير جذري وحقيقي في الحياة اليومية.
تفاقم الأزمة و غياب الأفق
وقد استغلت جبهة الخلاص ومعها الأحزاب المعادية لرئيس الجمهورية لتبث الفزع في البلاد عبر الدعوة إلى انتخابات رئاسية جديدة ومطالبة الرئيس بالتنحّي عن السلطة، ورأوا أنه سبب الفشل الديمقراطي في البلاد، دون أن يحمّلوا أنفسهم جزءا من المسؤولية التاريخية في إغراق الجمهورية التونسية في الفوضى التي نعيشها اليوم إثر هروب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، بيد أن الحالة المتردّية التي تعيشها تونس اليوم تعود لعدة أسباب جوهرية أهمها على الإطلاق الوضع العالمي المتأزم من تبعات فيروس كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا وأزمة المناخ والحروب المتتالية إضافة إلى الصراعات الحزبية داخل الجمهورية ومشاكل الاتحاد العام التونسي للشغل مما فاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
وكلهم يدعون اليوم إلى حل سياسي جذري، ويحمّلون رئيس الجمهورية ما وصلت إليه البلاد، ويدعون إلى انتخابات رئاسية مبكرة، لكنهم
يغفلون أو يتجاهلون الحركة السياسية في تونس، حيث ترتع بالبلاد 200 حزب، وكل واحد يدّعي أنه يملك الحلّ السياسي، وفي المقابل لا نجد برنامجا واضحا لأي من الأحزاب، إضافة إلى ضعفها وعدم تأثيرها في الشعب التونسي بأي نوع من أنواع التأثير، وكما يقال كثرتها بلا بركة، فلم تجلب لتونس سوى النّكد والشقاء رغم ظاهر الديمقراطية التي تلبّست بها، وعلى هذا فإن الأحزاب السياسية في تونس صراع دائم لا ينتهي إلا بانتهائها جميعا والإبقاء على بعضها مما يمكن أن يمارس الديمقراطية واقعا لا لفظا فقط، ويترك الحديث عن الانتماء والتعصب للحزب على حساب بناء وطن بأكمله.
الكل مساهم في الأزمة
وفي الحقيقة لا يمكن أن نلوم رئيس الجمهورية وحده في تراجع نتائج الانتخابات أو عزوف الناخبين عن أداء واجبهم الوطني بل إن الكل مساهم في ذلك عبر ما يشاع في الإعلام يوميا من أن الرئيس دكتاتوري وأنه يجمع السلطات بيديه ويتحكم في دواليب الحكم ويقصي الجميع، وأنه السبب الأول في تأخر تونس في المحافل الدولية وندرة وجود المواد الأساسية وغيرها من الإشكالات مما أثر على ذائقة المواطن التونسي الذي لم يتذوق سوى الكآبة والأحزان والشقاء والبؤس وصور الهروب من الواقع المأساوي الذي تعيشه البلاد.
وأمام هذه المتغيرات، هل يستسلم الرئيس قيس سعيّد لدعوات المعارضة ويترك منصب رئيس الجمهورية طواعية دون ضمانات حقيقية لئلا يحاسب إن ترك المنصب واقعا، وهل سيبقى في منصبه إلى انتهاء عُهدته رغم التهديدات أم أن المعارضة ستكثف من تأثيرها على الشعب حتى يثور عليه ويخرجه من قصر قرطاج؟ وهل يلتزم الرئيس قيس سعيّد بوعده الذي ضربه على نفسه قبل انتخابات الرئاسة عندما قال إذا رأى نفسه أنه غير قادر على تحمّل المسؤولية سيترك هذا المنصب؟ أم أنه يرى أن الوقت لم يحن بعدُ لتركه المنصب حتى يؤدي ما عليه؟
هناك أزمة ثقة بين الرئيس والشعب التونسي، وهناك حلقة فراغ بين الرئيس وشعبه لم يملأها الرئيس بعدُ، ولم يستطع إقناع الشعب التونسي أنه يعمل من أجله وسيحقق له مطالبه، وكأنه يقول له اصبر وما صبرك إلا بالله، ولا تحزن ولا تيأس فإن الخير قادم، في حين يرى الشعب التونسي أن الأمور تسيء يوما بعد يوم ولم يلح نور في الأفق حتى بعد تجميد مجلس النواب وعزل الحكومة في الـ 25 من يوليو 2021.
شارك رأيك