لا تتعجبوا من العنوان فهذا بلد العجائب و الغرائب و النوائب و لا يذهب بكم الظن بعيدا لاتهامي بكون أحرّض على نشر أو انتشار الفساد، غاية ما يطمح إليه العنوان هو إثبات أن شعارات السيد الرئيس قيس سعيد المتحدثة عن محاربة الفساد لا تتعدى مجرد الهمز و اللمز الذي أصبح عادة من عادات سيادته السيئة في كل اجتماع مع بعض ما تبقى من التابعين له من الوزراء الخجولين حد احمرار الوجنات و المرتعشين كأنهم يواجهون حسين عشماوي أكثر من نفذ أحكام الإعدام في مصر.
بقلم أحمد الحباسي
لا أنكر أن التبليغ عن الفساد من أنبل الأعمال التي يقوم بها المواطن المبلّغ و أذكر ما عاناه و لا يزال يعانيه المبلّغ السويدي الشهير إدوارد سنودن من إجراءات تعسفية من الإدارات الأمريكية التي قام بفضحها في وسائل الإعلام و كشف جرائمها و فسادها و خرقها لحقوق الإنسان و التي لم تجد من سبيل إلى ردعه إلا اتهامه بالتجسس ليصبح طريدا على طول مساحة الكرة الأرضية و عرضها.
لا يذهب بكم حسن النية بعيدا لتظنواعبثا أن حال المبلغين عن الفساد في فرنسا أو في غيرها من كثير من الدول الغربية هو أحسن حالا منه في تونس لأن بلاد الأنوار لم تصدر قانون تحسين حماية المبلغين عن المخالفات إلا في شهر مارس الماضي و في ذلك دليل فاضح على أن نية الحكام حتى في البلدان الموصوفة بالديمقراطية لا تحبذ “البرباشة” في ملفات الفساد و لا تريد أن يتعرف عامة الشعب على خفايا ملفات رشاوي الصفقات المدوية أو أسرار معامل صنع الأدوية الفاسدة أو كشف ملفات بيع الأغذية المسرطنة لدول “العالم الثالث” إلى غير ذلك من الأسرار المكتومة.
لماذا أقفل الرئيس قيس سعيد مقر هيئة مقاومة الفساد ؟
فى تونس الحديث عن هذا الموضوع يستدعي الكثير من المتابعة و البحث نظرا لشحّ المعلومات و صعوبة الحصول عليها نظرا لحداثة قانون المبلغين عن الفساد إلى جانب حساسية التعاطي مع هكذا أسرار و ملابسات إضافة إلى تكتم عدة جهات مالكة للأسرار خوفا من تعرضها للاغتيال أو الزج بها في السجون.
لا أحد يدرى و إلى اليوم لماذا أقفل رئيس الدولة مقر هيئة مقاومة الفساد أو ما عرف اصطلاحا بهيئة العميد شوقي الطبيب و لا يوجد لحد ألآن تقرير مفصل للاتهامات الموجهة لهذه الهيئة أو أسباب إقفالها و ما هو مصير الآلاف من ملفات الفساد و هل يمكن اعتبار أن قائمة المبلغين الذين شملهم قرار الحماية الذاتية لن يتم تسريبها للجهات التي شملها بلاغ هؤلاء بما يضعهم و يضع عائلاتهم تحت دائرة الخطر الجسيم.
في الحقيقة و بمراجعة القانون الأساسي عدد 10 لسنة 2017 المؤرخ في 7 مارس 2017 المتعلق بالإبلاغ عن الفساد و حماية المبلغين نجد أن حماية المبلغين هي مجرد عبارة مدسوسة لا معنى لها صلب هذا القانون لأن ما حصل لكثير من المبلّغين من اعتداءات مقصودة بلغت حد الاغتيال المشبوه للنقيب محسن العديلى إضافة إلى اختلاف وجهات النظر القضائية حول مفهوم التبليغ عن الفساد و تعريف المسؤولية القانونية للمبلّغ على أساس أن التبليغ عن الجرائم حق من حقوق الأفراد ومن الواجبات المفروضة عليهم كما لا يُسأل المبلغ عما يصيب المبلغ ضده من ضرر بسبب هذا البلاغ.
المبلغ عن الفساد تحت مطرقة التعرض للمحاكمة
لقد كان حريّا بواضع هذا القانون المبهم أن يتدارك بالتوضيح و التفسير لجملة معاني النص لأنه لا يمكن أن يكون المبلغ عن جرائم الفساد محل اتهام أو مؤاخذة خاصة أن البلاغ المقدم للهيئة لا تنطبق عليه معايير البلاغ العادي باعتبار أنه من مهام الهيئة كجهة تحقيق و اتهام تكييف مضمون البلاغ باعتبارها الجهة التي تملك كافة آليات المراقبة و التثبت و التحقيق و لها سلطة رفض الإشعار أو الإعلام أو التبليغ الكاذب أو المنقوص أو الذي لا يدخل في صلب اختصاصها أو الذي يشتم منه رائحة التضليل أو الكيدية.
لا يمكن أيضا ترك المبلغ تحت مطرقة التعرض للمحاكمة بسبب تقديمه لبلاغ كان يعتقد جدواه و صحته خاصة و أن النصوص الموضوعة لحماية المبلّغ تقديرية مطاطية كثيرا ما مثلت خطرا في أذهان كل من يفكر مجرد التفكير في التبليغ عن الفساد.
في حقيقة الأمر، “من الغباء الانتظار من سلطة سياسية منبثقة عن لوبيات فساد أن تفتح ملفات فساد وتكافح الفساد وتحمي المبلغين عن الفساد”، هذا ما جاء على لسان كثير من المبلغين و بالذات أحد أشهرهم السيدة نوال المحمودي التي كشفت عدة ملفات تتعلق بشحنات أغذية فاسدة و تمت محاصرتها و التضييق عليها من طرف الإدارة الصحية التابعة لها دون أن تكلف السلطة الرسمية نفسها عناء التدخل لحمايتها بشكل فاعل و قد شاع تعرضها إلى عملية تسميم مخطط لها بعناية من بعض الجهات المتضررة من عمليات التبليغ .
وهو ما يطرح السؤال بإلحاح هل أن المضايقات التي يتعرض لها المبلغون تؤسس لدولة الفساد و هل أن الحكومة تعمد من خلال هذه اللامبالاة بمصير المبلغين إلى ترهيبهم بدل حمايتهم و حماية عائلاتهم حتى يمكن الحديث عن تحالف “مصالح” بين الفاسدين في السلطة و الفاسدين خارجها؟
في هذا الإطار يؤكد المبلغون هناء عياد و هيثم بلطيف و داود الخضراوي على سبيل المثال أن التجاءهم إلى رئاسة الجمهورية قد خيب آمالهم و جعلهم يتأكدون أن شعار الرئيس بمحاربة الفساد هو مجرد شعار شعبوى للاستهلاك المحلى لا غير.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك