إن القضاة المجتمعين بتاريخ 25 ديسمبر 2022 بالحمامات في الجلسة العامة العادية لجمعية القضاة التونسيين بدعوة من المكتب التنفيذي في هذا الظرف الدقيق من الأزمة الشاملة التي تعيشها البلاد والتي استهدفت، بعد إقرار التدابير الاستثنائية من قبل رئيس الجمهورية في 25 جويلية 2021، السلطة القضائية وعصفت بكل مكتسباتها ومقومات استقلاليتها.
وبعد مصادقتهم على التقريرين الماليين والأدبيين لسنتي 2020 و2021.
وإذ يؤكدون بحضورهم المكثف على وحدتهم واصطفافهم حول مطالبهم المشروعة في إرساء سلطة قضائية مستقلة في هذه المرحلة الحاسمة والفارقة في تاريخ القضاء التونسي.
وبعد استحضارهم لجملة القرارات التي اَلت إلى تفكيك السلطة القضائية وهدم بنائها وإلغاء وظيفتها من خلال:
1/ حلّ المجلس الأعلى للقضاء الشرعي وتعويضه بمجلس منصب يتحكم رئيس الجمهورية في تعيين أعضائه وفي صلاحياته.
2/ إسناد رئيس الجمهورية لنفسه سلطة إعفاء القضاة وعزلهم خارج كل ضمانات حق الدفاع وسلطة الاعتراض ومراجعة كل مقترحات المجلس بإرادته المنفردة وإلغاء حق القضاة في ممارسة الحق النقابي.
3/ إعفاء رئيس الجمهورية 57 قاضيا خارج المسارات التأديبية وبناء على تقارير سرّية في اعتداء سافر على قرينة البراءة وحق المواجهة والدفاع.
4/ صدور دستور 2022 الذي أجهز نهائيا على مبدإ التفريق بين السلط والتوازن بينها واستبدال مفهوم القضاء السلطة بمفهوم القضاء الوظيفة التابع كليا للسلطة التنفيذية وهو ما ينطبق على الأقضية بأصنافها الثلاثة العدلي والإداري والمالي وكذلك على القضاء الدستوري.
5/ عدم إعلان الحركة القضائية في سابقة وطنية وفي استهانة تامة بحسن سير المرفق القضائي وبحاجة المحاكم للقضاة في مواقع المسؤولية وغيرها بما فاقم تردي أوضاع المحاكم والمتعاملين معها ومثل إجحافا كبيرا بحقوق المتقاضين والقضاة المعنيين بالحركة.
وبعد استعراضهم لكامل ذلك التمشي الذي استهدف السلطة القضائية مؤسسات وقضاة فإنهم:
أولا: يؤكدون تمسكهم باستقلال السلطة القضائية طبق ضمانات دستور 27 جانفي 2014، ورفضهم الانتقاص من موقعها والانحدار بها في دستور 2022من وضع السلطة إلى وضع الوظيفة التابعة للسلطة التنفيذية بغاية إضعاف دور القضاء في حماية الحقوق والحريات وفي تثبيت دعائم دولة القانون والنظام الديمقراطي.
ثانيا: يسجلون فشل السلطة القائمة في خياراتها باعتماد مقاربة تسلطية في التعاطي مع الملف القضائي أدّت إلى تصاعد استهداف الحقوق والحريات، وخاصة حرية التعبير والإعلام، وتراجع الحماية القضائية لها، في ظل التوسع في تطبيق المرسوم عدد 54 لسنة 2022، وهو ما أكّدته كل المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان ضمن تقارير موثقة.
ثالثا: يعتبرون أنّ نسب المشاركة المتدنية في انتخابات 17 ديسمبر 2022 تعكس عدم تزكية أغلب التونسيات والتونسيين لخيارات السلطة القائمة بما في ذلك تلك المتعلقة بالقضاء.
رابعا: يؤكدون أن محاربة الفساد لا يمكن أن تكون خارج ضوابط دولة القانون في مجتمع ديمقراطي وما تفرضه من ضمانات لحق المواجهة والدفاع والتزام بالشفافية،
خامسا: يستنكرون عدم إذعان السلطة التنفيذية لقرارات توقيف التنفيذ الصادرة عن المحكمة الادارية لفائدة القضاة المشمولين بأمر الإعفاء.
سادسا: يؤكدون أن الإعفاءات وما خلفته من شغورات فسح المجال واسعا لوزيرة العدل للضغط على القضاة ووضع يدها على النيابة العمومية خارج إطار القانون وعلى إدارة المحاكم بما ينال من الحقوق والحريات ومن مبادئ المحاكمة العادلة.
سابعا: ينبهون إلى أن عدم اصدار الحركة القضائية في موعدها المعتاد أدّى إلى تعطيل مرفق العدالة ويدعون إلى إصدارها في أقرب الآجال متضمّنة لأسماء القضاة الذين استصدروا أحكاما قضائية بتوقيف تنفيذ قرارات إعفائهم.
ثامنا: يستنكرون استغلال المجلس المؤقت للقضاء المالي لمناخات تغيب فيها كل الضمانات الدستورية لاستقلال القضاء لتغيير معايير التسميات في الخطط القضائية بالحركة السنوية، في تراجع عن المكتسبات التي تم تحقيقها في إطار مجلس القضاء المالي المنتخب، كما ينبهون إلى خطورة قيام الرئيس الأول لمحكمة المحاسبات بهرسلة قضاة المحكمة ممّن مارسوا حقّهم في التعبير عن رأيهم وتمسكوا بحقّهم النقابي،
تاسعا: يستنكرون حملات التشويه الممنهجة، عبر صفحات محسوبة إلى رئيس الجمهورية، والتي تستهدف القضاة وهياكلهم بالافتراء والتشويه والثلب بهدف إخماد صوتهم وضرب وحدتهم،
عاشرا: ينددون بممارسات الضغط والهرسلة التي تنتهجها وزيرة العدل بواسطة التتبعات التأديبية والجزائية المفتعلة ضد رئيس جمعية القضاة التونسيين ومجموعة من القضاة على خلفية نشاطهم النقابي في خضم التحركات النضالية على إثر مذبحة الإعفاءات ويعلنون مساندتهم المطلقة لهم.
حادي عشر: يثمنون المساندة التي لقيها القضاة التونسيون في معركتهم للدفاع عن استقلال السلطة القضائية ضد أي ضغط أو تدخل أو توظيف سياسي من المنظمات الوطنية والدولية ومن المحامين والعمداء السابقين والشخصيات الوطنية والحقوقية والنقابية والإعلامية والقوى الحية بالبلاد ومن اللجنة المدنية للدفاع على استقلال القضاء وهيئة الدفاع على القضاة المعفيين ويتوجهون لهم جميعا بجزيل الشكر.
ثاني عشر: يدعون جميع القضاة في هذه الأوقات العصيبة لمزيد التمسك باستقلالهم وحيادهم في ممارسة وظائفهم القضائية بكامل النزاهة دون الخضوع لأي ضغوطات من أي جهة كانت حماية للحقوق والحريات من كل تعسف وإلى رصّ الصفوف والتعبئة التامة لمواجهة هذه الهجمة الشرسة على السلطة القضائية.
ثالث عشر: يفوّضون المكتب التنفيذي اتخاذ كل الخطوات التي تقتضيها تطورات المرحلة القادمة في علاقة بالوضع العام بالبلاد وبالشأن القضائي.
عن الجلسة العامة
Écrire à Zora Abid
شارك رأيك