لا نريد المزايدة على مواقف الاتحاد العام التونسي للشغل و لا فتح ثغرة في هذا البنيان و لا حتى مواجهة كثير من مواقف قيادته العنترية المتناقضة و الفارغة، فقط نريد التعبير على أن ما يحصل داخل أسوار هذه القلعة لم يعد مقبولا و أن الصدر قد ضاق من بعض القيادات التي تطلق النار في كل الاتجاهات و على الهوية تماما كما يحصل في أفلام الكاوبوى السباقيتى الايطالية.
بقلم أحمد الحباسي
إن سياسة حجب الأعداد عن إدارات المعاهد و ارتهان حق التلميذ في معرفة أعداده التي تحصل عليها في الامتحانات تحت أية ذريعة و بحجة أية مطالب مهنية للمربين هي جريمة موصوفة مكتملة الأركان و تستحق توجيه أشد عبارات الإدانة و التوبيخ لكل من يسعى أو يساند أو يصدر أو يعطي الشرعية النقابية لمثل هذه الجرائم التي لا علاقة لها مطلقا بالحق النقابي.
بلطجة نقابة التعليم الثانوي
لم يبق لنقابة التعليم الثانوي التي تمارس هذه البلطجة باسم الحق النقابي و تطالب بحجب الأعداد إلا أن تطالب بتسجيل براءة “هذا الاختراع” لدى الجهات ذات العلاقة بالمصنفات الفكرية و لما لا التمتع بحقوق التأليف و إلى ما هناك من حقوق أخرى و لم يبق إلا أن تتحول نقابات الاتحاد إلى مؤلفين و مخترعين كل في مجال اختصاصه و كل يغني على ليلاه دون شعور عميق بالمسؤولية أو محاولة جادة للكف عن هذا الاستهتار المتصاعد بالمصالح العليا للتلاميذ و الأولياء و بالسلم الاجتماعية المهددة في كل حين.
كما أنه من المسلم به فقها و قانونا أنه لا قضاء بدون نصّ فإنه من المتفق عليه ذوقا و نقابيا أنه لا حق لنقابات التعليم أو للاتحاد نفسه لحجب الأعداد بدون نص متفق عليه و كل ما يحدث هو خرق فاضح للقانون النقابي و للحقوق الدستورية للتلميذ و المتعلقة بحق المواطن في التعليم و أحد هذه الحقوق هو الحق في المعلومة و الحق في الامتحان و الحق في الاطلاع على نتائج الامتحان.
المشهد النقابي المزري
يقال أن السفينة تغرق لكثرة الربّان و ما يحصل أن القيادة الحالية لا تملك السيطرة على مقود القيادة و لا تملك رؤية واضحة و لا دليل سير يمكن إتباعه بل ما يحدث هو فوضى نقابية تضر بمصالح الشغالين و تخلق أجواء متوترة خاصة أن الانتخابات التي سمحت للسيد نورالدين الطبوبى بعهدة نقابية أخرى قد تخللتها عدة مشاحنات و عمليات مدّ و جزر و ضرب تحت الحزام و تشكيك في نتائجها التي تطلبت تدخل القضاء لحسم الأمر مع ما رافق ذلك من تسريبات و إشاعات حول وجود صفقة بين الحكومة و الاتحاد “لتمرير” نتيجة الانتخابات مقابل اتخاذ الاتحاد لبعض المواقف المرنة التي تحتاجها السيدة رئيسة حكومة تصريف الأعمال في مثل هذه الفترات الحرجة التي ظهر فيها فشلها الصريح في معالجة الوضع على كل الأصعدة.
لذلك يمكن القول أن السيد الأمين العام نور الدين الطبوبي قد خرج من هذه الانتخابات ضعيفا و مدينا لعديد الرموز النقابات المهنية ببقائه في منصبه و عليه رد هذا الجميل بتركهم يرتعون و يتخذون قرارات و مواقف لا تختلف كثيرا عن مواقف نقابة التعليم و هو ما أدى إلى هذا المشهد النقابي المزري الذي يعد سابقة خطيرة في تاريخ الاتحاد.
ما هي سياسة الاتحاد و ما هي خططه و كيف يمكن له أن يكون رقما صعبا في حوار البكم و قلة السمع بينه و بين حكومة السيد الرئيس التي تمارس سياسة تجويع الشعب و إنهاكه ماديا و معنويا بفعل المراهقة السياسية للسيد الرئيس و تميّزه بالفشل الدائم في كل المسارات و آخرها المسار الانتخابي النيابي الذي جاءت نتائجه بمثابة الزلزال دون أن تدفع الرئيس لانتخابات رئاسية مبكرة أو على الأقل تغيير الحكومة ؟ هل باتت كثير من قيادات النقابات تمثل خطرا على طبيعة العمل النقابي نفسه بحيث أنها تدفع المواطن إلى اتخاذ مواقف عدائية صريحة من هذا المكون العريق الذي يراه التونسيون بكثير من الفخر بعد أن شكل لسنوات مضت عنوان الصمود ضد كل محاولات استضعاف الحكومات المتعاقبة و مؤسسات التشغيل للطبقة العاملة ؟ هل أخطأ السيد نورالدين الطبوبى بترشيح نفسه و الفوز بعهدة نقابية جديدة و هل بات الاتحاد معرضا للتفجير من الداخل بعد أن ظهر اختلاف القيادات إلى العلن ؟ هل انعكس فشل الحكومة الحالية في معالجة أوجه القصور الاقتصادي و الاجتماعي على طبيعة العمل النقابي و جعل النقابات المهنية تركب رأسها في محاولة بائسة لضرب الاستقرار في نفس التلاميذ و الأولياء ؟. من الواضح أن الاتحاد قد ابتعد كثيرا عن تلك الصيحة الشهيرة للزعيم الشهيد فرحات حشاد ” أحبك يا شعب “.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك