كيف يمر العام الجديد على تونس في ظل تلاحق الأزمات؟

بوصلة الحياة في تونس بدأت تتوقف أمام الجميع، وترسل تحذيراتها لجميع السياسيين والقياديين في البلاد أن الوقت يضيع في التخاصمات والتجاذبات، وبدأت المعيشة تضيق والمعاناة تزداد على جميع المستويات، والحلول العاجلة تكاد تنعدم أمام أمّ المشكلات، مما ينذر بانفجار قد يحدث نتيجة هذه الأزمات.

بقلم فوزي بن يونس بن حديد

بعد أن فشلت كل القوى السياسية بتونس في إقناع الشعب بتحركاتها النضالية ضد الحكومة القائمة وضد الرئيس قيس سعيّد خصوصًا وبلورة أفكار جديدة للنظام السياسي، وبعد أن تشكلت جبهة الخلاص من أحزاب سياسية أبرزها حركة النهضة وبعض الأحزاب والقوى السياسية الأخرى ة وبعض الأفراد الذين ظنوا أنفسهم مؤثرين في الشعب وعيّنت السيد نجيب الشابي رئيسًا عليها وجابت شوارع ومدن تونس طولا وعرضا، كانت النتيجة إفلاسًا سياسيًّا وتذمرًا شعبيًّا لا تحمل برنامجا بديلا عن برنامج رئيس الجمهورية (الذي لا برنامج له أصلا لا قبل انتخابه لا بعده) إن استقال أو أُقيل.

تونس لم تخرج من عنق الزجاجة

وبعد مرور سنوات على انتخاب السيد قيس سعيّد، لم تستطع تونس أن تخرج من عنق الزجاجة رغم ما أقدم عليه رئيس الجمهورية من تحولات جذرية طالب بها الشعب ومنهم القوى السياسية الكبرى في البلاد التي كانت تناديه بحل البرلمان وعزل الحكومة القائمة آنذاك للأسباب التي نعرفها جميعا، وفي الوقت الذي بدأ سعيّد يمضي بالسفينة حيث أراد لها هو، تذمّر الجميع من بُطئها الشديد في التغيير، او من تدهور الأوضاع العامة في البلاد، و انهيار ما تبقى من منظومات كانت قائمة قبل 2021، وزاد المعارضون حِنقا على الرئيس وبذلوا الغالي والنفيس من أجل إجباره على الاستقالة وترك منصبه، واستمر الشدّ والجذب حتى خارت قوى العديد من القوى السياسية التي كانت تملأ ساحات التواصل الاجتماعي بالمحاضرات والدروس والدعاوى والشكاوى مما كانت تسمّيه الانقلاب، لكن الجميع لم يجد الآذان المصغية من فئات كبيرة من الشعب، ومضى الرئيس في عمله غير مبالٍ بما يجري حوله ويطلق الصيحات والإنذارات لمن يعاديه، دون أن تتقدم البلاد تحت حكمه قيد أنملة في أي من المجالات فيما زادت تأخرا و تخلفا في معظم المجالات.

وبعد أن انكسرت شوكة المعارضة و انكسرت شوكة الرئيس بعد فضيحة الانتخابات التشريعية التي شهدت أرفع نسبة عزوف في تاريخ البشرية (90 في المائة)، جاء دور الاتحاد العام التونسي للشغل ليجرّب حظه في تصحيح المسار الخاطىء، وأعلن أمينُه العام نور الدين
الطبوبي الحرب على رئيس الجمهورية ونذر نفسه أنه لن يسكت على الوضع القائم في البلاد، متحدثا باسم الشعب التونسي ومحاولا الدفاع عنه، لكن هذه المؤسسة النقابية العريقة لا تملك في عهده حلولا جذرية، بل ليست مخولة أن تعمل في المجال السياسي، وإنما أقحمت نفسها وأدخلتها في السياسة عنوة لإثارة الرأي العام عبر وسائل الإعلام المختلفة.

أتحاد الشغل يرفض إعضاء شيك على بياض

وحسب مجريات الأحداث في تونس خلال الفترة الماضية نرى الاتحاد يتلوّن كالحرباء، فمرة مع الرئيس ومرة ضد الرئيس، ويبدو لي أنه يلعب على كل الأحبال وينظر إلى مصلحته أنّى وجدها ذهب إليها، فيميل حيث تميل الرياح، بطله رجل اسمه نور الدين الطبوبي يعرف كيف يلقي سهامه، ويطلق رصاصه، فمرة يقول نحن مع الرئيس في برنامجه السياسي في بداية التغيير ويعقد لقاءات مباشرة معه، ومرة ينقده نقدًا لاذعا ولا يقدم له شيكا على بياض فيوهم الشعب التونسي بأنه مناضل كبير.

فإذا كان همّ الطبوبي أن يرى الشعب التونسي تخلص من الفقر والبطالة والمعاناة اليومية، فعليه أن ينزل إلى الميدان ويقدّم الحلول العاجلة ويسهم في حلّ المشكلات بدل الخطابات والتصريحات الجوفاء أمام وسائل الإعلام المختلفة لإظهار البطولة في النطق بالكلمات، وإذا كان الطبوبي جادّا في كلامه عليه أن يبرهن للشعب التونسي فعلا أنه كذلك، فالكلام وحده لا يغني من الحق شيئا، فماذا فعل الطبوبي إلى حدّ الآن ومنذ تعيينه أمينًا عامًا للاتحاد العام التونسي للشغل سوى الإعلان عن الإضرابات الواحد تلو الآخر، لتعطيل مؤسسات البلاد والنيل من أمنها، والإسهام في الفوضى العارمة، هو يعلم أن الحكومة ليست لديها عصا سحرية كما يعلم جميع القوى السياسية، ويعلم الفساد المستشري في البلاد ولكنه لا يقدم حلّا عمليا للتخلص من هذه الموبقات، فلماذا الصياح وراء الميكروفونات؟ والظهور خلف الشاشات، كأنه زعيم وبطل قومي في هذه الأوقات؟

لكن بوصلة الحياة بدأت تتوقف أمام الجميع، وترسل تحذيراتها لجميع السياسيين والقياديين في البلاد أن الوقت يضيع في التخاصمات
والتجاذبات، وبدأت المعيشة تضيق والمعاناة تزداد على جميع المستويات، والحلول العاجلة تكاد تنعدم أمام أمّ المشكلات، مما ينذر
بانفجار قد يحدث نتيجة هذه الأزمات.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.