ما الذي تحقق في تونس في عهد الرئيس قيس سعيد ؟ تقريبا لا شيء على كل المستويات. هذه هي الحقيقة التي يتجرعها أحباء الرئيس أكثر من غيرهم… و التي قد تسرع بسقوطه مع ارتفاع الأصوات الشعبية الغاضبة.
بقلم أحمد الحباسي
من الواضح أن الرئيس قيس سعيد قد استهلك منذ زمان فترة “السماح الشعبية “(délai de grâce) المحددة عادة بمائة يوم و من المؤكد أن الرجل قد بات على صفيح ساخن و هو يدرك الآن على الأقل و بالذات بعد فضيحة الانتخابات البرلمانية أنه وصل إلى طريق مسدود على كل المستويات و بات مجرد ورقة محروقة حتى بالنسبة للذين انتخبوه و مكنوه من ثقة بلا حدود رغم كونه قد أعطى إشارات فشل من البداية.
ما الذي تحقق في عهد الرئيس قيس سعيد ؟ تقريبا لا شيء على كل المستويات. هذه هي الحقيقة التي يتجرعها أحباء الرئيس أكثر من غيرهم و كما وصل أغلب المنتسبين لحركة النهضة ليلة 25 جانفى 2021 إلى قناعة بأن الشيخ راشد الغنوشى قد فشل تماما في تحقيق حلم إقامة دولة الخلافة و بات شخصا غير مرغوب فيه على رأس الحركة فقد توصّل أحباء الرئيس إلى نفس القناعة تقريبا بأن من وضعوه على سدة الحكم قد فشل في تحقيق حلم و شعار “الشعب يريد”.
قيس سعيد و سياسة التعنت
لعل السؤال الأهم و المهم في نفس الوقت و الذي يتداوله التونسيون بحيرة شديدة هو لماذا وصل الوضع إلى هذا الحدّ من منسوب الإحباط و فقدان الأمل و هشاشة الأوضاع على كل المستويات بل لماذا يصر الرئيس قيس سعيد على سياسة التعنت و عدم الاستماع للخبراء و رجال الأعمال و كل الذين يملكون الرؤية الاقتصادية القادرة على انتشال الوضع الاقتصادي و البلاد من هذا المنحدر الخطير الذي يسير فيه الرئيس دون اكتراث و بكثير من النرجسية و التعالي و الغرور المقيت؟
ما هي حقيقة التقارير الأمنية التي تجعل الرئيس دائم التوتر و يعانى من النرفزة الزائدة التي تطرح علامات كبرى حول قدرته على إدارة البلاد في الأوضاع الصعبة و هل أن تعيين وزارة بكاملها متكونة من أشخاص يتميزون بانعدام الشخصية و بالطاعة العمياء و بعدم القدرة على فرض طرحهم على الرئيس هو رد فعل طبيعي على ما حصل مما سمي “خيانة” السيد يوسف الشاهد للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الذي – والحقيقة تقال – ساير ابنه على حساب وزيره الأول و على حساب مصلحة البلاد ؟
يجمع المتابعون بمن فيهم بعض “العرافين” الذين تتلقفهم محطات التلفزيون في مؤخر كل سنة ميلادية أن وضعية الرئيس قيس سعيد في أسوأ حالاتها و أن شتاء الغضب الشعبي قادم لا محالة بعد أن بلغ الإحباط قمته و فقدت الحكومة ثقة أكبر المتفائلين و فقد الرئيس ثقة الشعب مترجمة في نسبة التصويت الانتخابية الأخيرة و حين ترفع الجهات المانحة يدها فذلك إيذان بأن الوضع يشبه الوضع الذي يجعل الطبيب يرفع يده عن المريض و يطالب أهله بنقله إلى منزله في انتظار ساعة الوفاة.
فب انتظار شتاء ساخن
كل هذا و سيادة الرئيس يتلهى بإطلاق قذائفه “الفشوش” على أعدائه الذين لا يسميهم حتى بالأحرف الأولى كما يضيع وقتا ثمينا فى إطلالة سخيفة هنا و هناك و آخرها إطلالته المضحكة في منطقة المنيهلة التي تعد أكثر المناطق التي فقدت فيها ثقة الرئيس و التي مكنته من “اكتشاف” وجود الزيت المدعم في إحدى المتاجر الصغيرة و تبين لاحقا أنها مجرد كذبة ليلة رأس السنة لا غير.
يقال في الأمثال أن أول الغيث قطر ثم ينهمر، هذا صحيح و ما حصل اليوم من شلل جماعي في خدمات النقل العمومي و ما يهدد به اتحاد الشغل من إضراب عام و صمت حكومة تصريف الأعمال دليل ملموس على أن هذا الشتاء و بالذات شهر جانفى سيكون ساخنا إلى أبعد الحدود بعد أن باتت الأغلبية على قناعة مؤكدة أن الرئيس و حكومته هو المشكل و ليسوا الحل و أن المناداة المتزايدة برحيلهم فورا و محاسبتهم قد خرجت من حالة الشعار إلى حالة الواقع و ما على السيد الرئيس إلا الاستقالة حقنا لمصالح أو ما تبقى من قدرات البلاد التي دفعها سوء تصرفه إلى الخراب.
هل أن اجتماع الرئيس الأخير بالحكومة ثم برئيسة الحكومة و وزيري الداخلية و العدل هو استعادة الوعي أم مجرد لحظة أخرى يستغلها الرئيس لمزيد انهاك اقتصاد البلاد؟
هل أن إعلان حالة الطوارئ هو إيذان بدخول البلاد مرحلة خطيرة سيقوم فيها الرئيس باتخاذ إجراءات قمعية بوليسية غير مسبوقة لمواجهة تهديدات البعض الخروج إلى الشارع و تنظيم “اعتصام الرحيل “؟
هل سيتمكن اتحاد الشغل هذه المرة من جبر الرئيس على الانصياع إلى صوت العقل أم أن صقور الاتحاد سيقفون هذه المرة مع الشعب لفرض التغيير ؟
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك