من حقّ الشعب أن يؤمن بقُدرته على إعادة تنظيم الدولة ومؤسساتها وفقا لاحتياجاته. لقد أفسدت السياسة مقوّمات قوة البلاد وفي كل المجالات. وكلما أطلنا النظر فيما يجري، لا نجد في ذلك ظلاّ للعمل والتنفيذ! كيف يمكن الحديث عن الدولة؟ و لكن كيف يمكن الحديث عن سيادة والبلاد تزخر تحت المديونية ومهدّدة بالإفلاس؟
بقلم العقيد محسن بن عيسى
لا يمكن لنا ان نقنع أنفسنا بأن الدولة التونسية لها هيبة او اعتبار في ميزان القوى اليوم. ولسائل أن يتساءل: كيف يمكن الحديث عن الدولة في بلد يعيش تدهورا اقتصاديا وفقرا مُدقعا؟ كيف يمكن إثارة هذا الموضوع في قُطر تلاحقت هزائمه؟ كيف يمكن الحديث عن سيادة والبلاد تزخر تحت المديونية ومهدّدة بالإفلاس؟ أي هيبة تتماشى مع سلطة تواجه صعوبات لبسط نفوذها وإخضاع جميع مواطنيها لعدل القانون وحمايته؟ أي احترام لنخب في ظل سياسيين جاءت بهم الصدف والمخططات الأجنبية الخبيثة؟
النقطة المهمة هنا هي أنّ قيمة الدولة تأتي في مسار جادّ في الحياة السياسية، ولا يمكن أن تُضفى عليها وعلى مؤسساتها بين ليلة وضحاها. إن الشعور بتراجع الدولة نتج عن “صراع ” منذ انعطاف 2011 بين مكونات المجتمع والسلطة، وأفضى الى ضعف المؤسسات، وزعزعة الشعور بالانتماء وإضعاف الشعور بالواجب.
السياسة وإفساد الضمير العام
السياسة اليوم مسؤولة عن افساد الضمير العام، فالمؤسسة أصبحت مستهترة تنشر الاستهتار، والسلطة أصبحت غاضبة تعلم الشعب الغضب، والنواب تعلقت بهم شبهة الفساد وإفساد الناخبين، والإدارة تحولت إلى مرتشية تشجع الناس على الرشوة، وهكذا أدى “سياسيو الصدفة” إلى سقوط المستوى العام للقيم.
أيّ قضية أهم من حماية الدولة من الانهيار وعودة البلاد إلى الاشتغال، وتدارك ما فات من الوقت؟ وأي قيمة للعمل يمكن أن ننتظرها والسياسة ترزخ تحت الأطماع السياسية التي لا تُحد. كيف تتحقق المصلحة العامة إذا كانت المسؤوليات تتوزّع دون اعتبار للتجربة والكفاءة. كل التغييرات الكبيرة التي تحدث في تاريخ الشعوب تنتج عامة عن مجهودات مُجدّدة لسياسييها ويصعب اليوم تحديد الاتجاه الصحيح عندنا.
حقائق لا يمكن تجاهلها
عرفت تونس زعامات سياسية ونقابية على امتداد تاريخها، زعامات نجحت عبر عقود من الممارسة في صقل شخصيتها لينضمّ الشعب إليها وتحت لوائها. شخصيات تجسّمت لديها دون منازع رمزية البطولة والتفوّق. وبغضّ النظر عن التأييد والرفض هناك حقائق لا يمكن تجاهلها وتتمثل في تراجع النسق الذي كرّسه ذلك الجيل على مستوى قيم العمل والبناء ومدّ جسور التعايش بين مختلف الفئات والتعبيرات تحت غطاء الدولة والقانون.
مفهوم الزعامة ليس واحدا في الثقافات المختلفة، فلقد شهد تطورات وفق مراحل التقدم ووفق تباين ظروف المجتمعات والدول. وهو في ذاكرتنا صفة فريدة فتارة عبرت عن صفة للمنقذ وتارة للمجدّد وأخرى للمستبد العادل وكذلك للزعيم الملهم. يبدو أنّ حقبتنا هذه ليست حقبة زعامات ومفردات الخطاب السياسي للمرحلة ليس ” الزعيم” بل ” المؤسسة” و”المشاركة” ونحوهما، وما تقمص البعض لأدوار الزعامة إلا وهم لا يلبث أن يتبخّر.
ضابط متقاعد من الحرس الوطني.
شارك رأيك