أصدر الاتحاد العام التونسي للشغل اليوم الخميس 19 جانفي 2023، بيان الذكرى 77 لتأسيسه، أكد فيه أن “اهتمامه بالشأن العام وجهوده لإخراج البلاد من إحدى أشدّ الأزمات التي مرّت بها في تاريخها لن يشغله على واجبه في الدفاع عن حقوق الشغّالين وعموم الفئات الشعبية والتي ما انفكّت أوضاعها المعيشية تتدهور يوما بعد يوم دون ان تكون الحكومة بما يقتضيه”.
وشدد الاتحاد في بيانه على ان “ميزانية 2023 جاءت “متجاهلة لهذا الوضع، فاقدة لأيّة رؤية تنموية، خاضعة لشروط صندوق النقد الدولي ومثقلة لكاهل المواطن والمؤسّسات بالمزيد من الضرائب بما يهدّد بإفلاس العديد منها ودفع بعض الشركات الأجنبية إلى مغادرة البلاد”.
واضاف ” اصبح من الواضح من خلال هذه الميزانية توجّه الدولة نحو إلغاء صندوق الدعم بطريقة القطرة قطرة تحت شعار التدرّج نحو حقيقة الأسعار، وهو ما من شأنه أن يقود إلى المزيد من بؤس الفقراء ومن تسريع لوتيرة تفقير الطبقة الوسطى وذلك في غياب توافق حول سياسة الدعم”.
وفيما يلي مقتطفات من بيان الذكرى 77 لتأسيس المنظمة الشغيلة:
أيّها العاملات، أيّها العمّال،
شعبنا العظيم،
نسرد هذه الحقائق التاريخية لنذكّر أوّلا بالدور الوطني والاجتماعي والنقابي لمنظّمتكم العتيدة وبالدماء والتي روى بها النقابيون أرض الوطن ثمنا للاستقلال وللكرامة الوطنية والتخلّص من التبعية.
كما نسرد هذه الوقائع التاريخية حتّى يفقه الجميع أنّ الاتحاد والنقابيين لم يتوانوا يوما على تلبية نداء الوطن ومطالب شعبنا في العمل والحرية والعدالة الاجتماعية ولم يتخلّوا لحظة على حقّه في التعبير والتنظيم والمشاركة الفعلية في نحت مستقبله ومستقبل أجياله من خلال مؤسّسات ديمقراطية يختارها بنفسه ضمن قوانين يضعها بإرادته الحرّة.
وتواصلا مع هذا التراث النضالي الزاخر وقف النقابيون في الصفوف الامامية خلال ثورة 17 ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011 التي أطاحت بسلطة الاستبداد وكان للاضرابات والتجمّعات الشعبية التي نظّمها الاتحاد في تلك الفترة الكلمة الفصل في حسم المعركة ضدّ النظام القائم لفائدة شعبنا والدخول إثر ذلك في معركة البناء الديمقراطي وتحقيق المطالب الاجتماعية التي رفعها الشعب خلال الثورة.
وأمام فشل الحكومات المتعاقبة بعد 2011 على النهوض بالاقتصاد الوطني وتحقيق الانتظارات المشروعة لشباب تونس وللفئات الاجتماعية والجهات المهمّشة، وإزاء ما ساد العلاقات بين مختلف الأحزاب السياسية من صراعات وتناحر أدّى إلى إهمال مصالح الشعب وتحوّل المؤسّسة البرلمانية إثر انتخابات 2019 بالخصوص إلى ساحة مواجهات زادت من حدّت الانقسامات داخل المجتمع واساءت لصورة الديمقراطية الناشئة ببلادنا، كان أملنا أن تؤدّي قرارات 25 جويلة 2021 التي اتّخذها الرئيس قيس سعيد اعتمادا على الفصل 80 من دستور 2014 إلى وقف النزيف ووضع حدّ لحالة التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي السائد وإعادة البلاد إلى طريق الاستقرار والتنمية ومقاومة الفساد ضمن الخيار الديمقراطي والنهج التشاركي واعتماد أسلوب التشاور والحوار وتجميع كلّ القوى الوطنية والتقدمية دون تهميش أو إقصاء.
إلاّ أنّ الدستور الأحادي الذي وضعه الرئيس وعرضه على الاستفتاء يوم 25 جويلية 2022 والقانون الانتخابي الجديد واللذان وضعا دون تشاور فعلي وفي غياب حوار جدّي ونزيه إضافة إلى تتالي المراسيم المقيّدة للحريات والمفاوضات المعلنة وغير المعلنة مع صندوق النقد الدولي والخضوع لشروط هذا الأخير المسيئة لمبادئ السيادة الوطنية جعلتنا نفقد الثقة في إمكانية حصول تغيير حقيقي بالبلاد يخرجها من ازمتها الراهنة وينقذها من براثن الفساد والتبعية والإفلاس ويعيد الأمل لشعبها وشبابها في الخروج من نفق البطالة والفقر وتدهور مستوى العيش والوضع البيئي وخدمات المرفق العمومي.
وعلى هذا الأساس، وتواصلا مع تاريخنا، وتحمّلا منّا لمسؤوليّاتنا الوطنية واعتبارا لكون الاتحاد أهمّ مكوّن مدني ساهم في تحرير الوطن وبناء الدولة الوطنية الحديثة ولعب دور القاطرة في مجال الدفاع عن الحريّات والديمقراطية واستقلالية تنظيمات المجتمع المدني، يخوض اتّحادكم اليوم حوارا جدّيا مع شركاء تاريخيين له من المجتمع المدني لصياغة مشروع وطني للخروج من الأزمة الراهنة بمختلف ابعادها يتمّ عرضه على السلطة وعلى كلّ الفاعلين السياسيين والاجتماعيين لإنقاذ البلاد وفتح طريق جديد يعيد البلاد إلى سكّة البناء الديمقراطي والمؤسّساتي ويضعها من جديد على طريق التنمية والعمل والبناء بعيدا عن كلّ مظاهر الاستبداد أو العودة إلى الحالة التي كانت عليها البلاد قبل 25 جويلية 2021.
أيّها العاملات، أيّها العمّال،
شعبنا العظيم،
إنّ اهتمامنا بالشأن العام وجهودنا لإخراج البلاد من إحدى أشدّ الأزمات التي مرّت بها في تاريخها، لن يشغلنا على واجبنا في الدفاع عن حقوق الشغّالين وعموم الفئات الشعبية والتي ما انفكّت أوضاعها المعيشية تتدهور يوما بعد يوم دون ان تكون الحكومة بما يقتضيه هذا الوضع المأسوي من سياسات اجتماعية وإجراءات عملية للوقوف إلى جانب هذه الطبقات الهشّة وتعزيز قدرتها على مواجهة آثار الأزمة من ارتفاع مهول للأسعار وللخدمات وندرة العديد من المواد الاستهلاكية الأساسية واختفاء العديد من الأدوية الضرورية إضافة إلى تفاقم السوق السوداء والتهريب والاقتصاد الموازي.
ولقد جاءت ميزانية 2023 متجاهلة لهذا الوضع، فاقدة لأيّة رؤية تنموية، خاضعة لشروط صندوق النقد الدولي ومثقلة لكاهل المواطن والمؤسّسات بالمزيد من الضرائب بما يهدّد بإفلاس العديد منها ودفع بعض الشركات الأجنبية إلى مغادرة البلاد.
كما انّه اصبح من الواضح من خلال هذه الميزانية توجّه الدولة نحو إلغاء صندوق الدعم بطريقة القطرة قطرة تحت شعار التدرّج نحو حقيقة الأسعار، وهو ما من شأنه أن يقود إلى المزيد من بؤس الفقراء ومن تسريع لوتيرة تفقير الطبقة الوسطى وذلك في غياب توافق حول سياسة الدعم التي شكّلت على مدى عقود إحدى آليات عملية إعادة توزيع الثروة وفي ظلّ تجاهل الدولة لمطلب الاتحاد بأن تقابل حقيقة الأسعار باعتماد حقيقة الأجور وحقيقة المساعدات الاجتماعية للعائلات الفقيرة والمعوزة ولقد حذّر الاتحاد من عواقب إلغاء الدعم دون سياسات بديلة وإجراءات اجتماعية سيؤدّي غيابها إلى المزيد من الاحتقان الاجتماعي ومن الغضب والتوتّر. كما حذّر الاتحاد من محاولات التفويت في القطاع العام مؤكّدا استعداده للحوار من أجل إيجاد الحلول للمؤسّسات التي تشكو من صعوبات حسب وضع كلّ مؤسّسة وما تتطلّبه عمليّة إصلاحها من إجراءات تعيدها إلى حالة الاستقرار والتطوّر وتحافظ على عموميتها وديمومتها.
ونؤكّد اليوم ونحن نحيي الذكرى السابعة والسبعين لتأسيس الاتحاد على تمسّكنا بالمرفق العمومي كمكسب وطني لا يمكن المساس به إلاّ من اجل الدعم والتطوير وتحسين الخدمات وجودتها كالتعليم والصحّة والنقل والمياه والطاقة والمناجم والمؤسّسات والدواوين الضامنة لتدخّل الدولة لتعديل السوق وغيرها.
وعهدا منّا أن نواصل النضال من أجل إسقاط كلّ البرامج والسياسات التي تهدف إلى تعميق الفوارق الاجتماعية أو المسّ بقوت الفئات الشعبية أو إنهاء المرفق العام بغرض تصفيته أو خصخصته.
إنّ الدفاع عن استقلال الوطن وكرامته لا معنى له إذا لم يكن يهدف إلى ضمان حقوق مواطنيه غير القابلة للتجزئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية.
أيّها العاملات، أيّها العمّال،
شعبنا العظيم،
لا يسعنا، ونحن نحيي الذكرى السابعة والسبعين، أن نذكّر بتجذّر الانتماء العربي للاتحاد وانفتاحه الدائم على أفق عمّالي ونقابي عالمي، وإنّنا نجدّد العهد بوقوفنا غير المشروط مع الحق الفلسطيني في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلّة وعاصمتها القدس الشريف، ونعبّر عن مواصلة دعمنا لنضال الشعب الفلسطيني الباسل من أجل دحر الاحتلال الصهيوني ووقف جرائمه البشعة في حق الفلسطينيين العزّل الذين مورس عليهم التقتيل والتعذيب والتشريد وهدم البيوت وانتزاع الأراضي وتهويدها وتدمير التاريخ والمعالم، ونجدّد دعوتنا إلى وحدة المقاومة الفلسطينية في وجه آلة الدمار الصهيونية وحلفائها من الدول الامبريالية والبلدان العربية المطبّعة، كما نجدّد تجنّدنا للنضال مع كلّ القوى الحيّة لفرض سنّ قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني البغيض في تونس.
عاش اتّحادنا حرّا مستقلاّ ديمقراطيا ومناضلا
المجد والخلود للشهداء والعزّة لتونس
الأمين العام
نورالدين الطبوبي
شارك رأيك