الأكيد أن الأستاذان سيف الدين مخلوف و مهدي زغروبة ليسا ملاكين وربما يكونا مجرمين ولكن… ألا يحق لهما التمتع بمحاكمة عادلة تتوفر له فيها كل حقوق الدفاع، بل أن يعاملا كبقية المواطنين ؟؟ أم أن الحقوق صارت في تونس الثورة و الديمقراطية تتجزأ و تنفذ حسب المقاس ؟؟
بقلم الأستاذ نعمان مزيد
لنفترض … الأستاذان مهدي زغروبه وسيف مخلوف أكبر إرهابيين وألحقوا بالوطن والشعب أكبر الأضرار وارتكبوا أشنع الجرائم…
القضاء العسكري الإستئنافي “المستقل جدا والنزيه جدا” يقتص منهما بمناسبة النظر فيما يسمى بقضية المطار ويصدر حكما بالسجن بالنفاذ العاجل مع الحرمان من ممارسة مهنة المحاماة بالنسبة للأستاذ مهدي زغروبة لمدة خمس سنوات…
الاخلالات القانونية لا يمكن تبريرها بأي ذريعة
قبل الإسهاب في تحليل الموضوع لا بد من التذكير بمعطيات واقعية وقانونية هي التالية :
أولا : قضية ما سمي “بأحداث المطار” تعهد بها القضاء العدلي ولا زالت القضية جارية، ومن غير المقبول منطقا وقانونا أن يحاكم المرء مرتين من أجل نفس الفعل.
ثانيا : لم نعهد أحكاما استئنافية تقضي بالنفاذ العاجل، ذلك ان الأحكام الاستئنافية بطبيعتها قابلة للتنفيذ بقطع النظر عن التعقيب (باستثناء توقيف التنفيذ الصادر عن الوكيل العام بشكل خاص).
ثالثا : على خلاف الأحكام الصادرة عن القضاء العدلي، الفصل 43 من مجلة المرافعات العسكرية يقضي بإيقاف تنفيذ الأحكام الإستئنافية بمجرد تعقيبها.
رابعا : لم نعهد تنفيذ أحكام جزائية، وخاصة حين يكون المتهم بحالة سراح، في ظرف أقل من ساعات قليلة عن صدورها، إذ جرى العمل على تلخيص محتواها ثم قيام قسم التنفيذ بالمحكمة على تبليغها إلى المتهم بالوسائل المتداولة… وقد يتطلب الأمر أسابيع وربما أشهر لتنفيذها.
خامسا : ليس هنالك أي سابقة قضائية صادرة عن القضاء العسكري، حتى زمن بورقيبة وبن علي في إصدار عقوبة تكميلية تقضي بمنع متهم من مباشرة مهنة المحاماة مهما كانت المدة، وهو ما يعتبر “إنجازا استثنائيا” لمحاكمنا العسكرية المستقلة جدا والنزيهة جدا… في هذا العهد السعيد، مع ما يعني ذلك من اعتداء صارخ على صلاحيات الهيئة الوطنية للمحامين في مسكها لجدول المحامين.
بعد هذا كلـــّو… أش معناها ؟ وين تحبو توصلو ؟؟؟ معناها جبتو الصيد من وذنو ؟؟
ملف الجهاز السري وبعد تقديم هيئة الدفاع عن الشهيدين حقائق ووثائق تفيد تورط قيادات حركة النهضة وعلى رأسها راشد الغنوشي… السيد يجي للمحكمة محروسا يبحث ويروح … وموش مشكل ؟؟ ونفس الحكاية تصير في ملف إنستالغو بمحكمة سوسة ؟؟؟ وغيرو وغيرو…
الأكيد أن سيف مخلوف ليس ملاكا وربما يكون مجرما ولكن… ألا يحق له التمتع بمحاكمة عادلة تتوفر له فيها كل حقوق الدفاع عن نفسه، بل أن يعامل كبقية المواطنين؟؟
ثم ّ، متى كانت المحاكم العسكرية تمثل قضاء مستقلا عادلا ولا زالت ذاكرة التونسيين تحتفظ بما آلت إليه قضايا شهداء وجرحى الثورة ذات يوم 12 أفريل ؟؟؟ وغيرها كثير من القضايا ليس آخرها قضية ضحايا خافرة حنبعل ذات أكتوبر 2017 ؟؟
“ماكينة القمع” العمياء حيت تنطلق…
العديد من الأصدقاء والرفاق اعتبروا موقفي اصطفافا قطاعيا ضيقا، بعد ما عرضته الآن : هل مازلتم… هناك… كما أنتم ؟؟
إلى اصدقائي… إلى صديقاتي … إلى كل تونسي حرّ…
ماكينة القمع حين تنطلق في “الرحي” لا تميز بين يساري ويميني … بين وطني وخائن… ماكينة بن علي أيضا حين انطلقت في محاكمة الإسلاميين امتدت فيما بعد لمحاكمة وملاحقة اليساريين والنقابيين والطلfة والرابطيين وغيرهم… العبرة من كل ذلك أن “ماكينة القمع” العمياء حيت تنطلق فلا رادّ لها غير المقاومة والتصدي وقول لا لكل محاكمة جائرة، قول لا لكل انتهاك لأبسط قواعد المحاكمة العادلة… التمسك بقاعدة “الحقوق لا تتجزأ”…
كل هذه المبادئ قد تغضب البعض … تحت يافطات الدفاع عن الوطن والشعب أحيانا وتحت يافطة القضاء على الخونة والمتآمرين أحيانا أخرى ولكن الحقوق هي الحقوق… والإنسان هو الإنسان … كيفما كان وحيثما كان…
محامي.
شارك رأيك