“عزيزي شكري
أرجو أن تكون بخير حيث أنت. أكتب لك والعجاج يقضّ عيناي وفمي بالغبار. فالسماء ترفض أن تمطر على البلاد هذه السنة. رائحة البوار في كل مكان.
ملامح الناس نحاسية. والعيون مطفأة. الحالمون هم من ينظرون للبحر بحثا عن زورق مارق للهرب. شيء ما يبدو أنه سيحدث. فالخيول التي داخلي تهتزّ وتصهل كأنها تحدس حدوث زلزال قريب.
أريدك أن تسامحني. فهذه المرّة لن أكون مع من يقفون كل صباح أمام بيتك القديم في ستة فيفري ليحفظوا دقيقة استشهادك في لوح تاريخ البلاد.
هذه المرة سأكون في صفاقس بجانب أمّي الصالحة العابدي وهي تكافح بعد أن هاجمها جسدها بلدغة مؤلمة. إنها تدفع الآن ثمن كفاحها الطويل المتعب الشاق.
نعم نعم أعرف …لا داعي لتكرّر ذلك لي. لو كنت هنا، مثلا لو أعطتك السماء رخصة استثنائية للنزول على الأرض، لكنت بجانبي في المصحّة الآن، وتجاهلت حتى الوقوف في ذكرى استشهادك.
لا تقلق. الصالحة مكافحة وستتعافى إن شاء الله.
أنت تحبّها وتذكر كيف كانت معك. أُمّا أخرى لك. وتذكر أنها كانت تعدّ لنا الطعام ولافتات التظاهر في نفس الوقت.
في البيت عندما فجعنا فيك، علّقت صورتك بجانب الباب، كأنها تنتظر قدوما جديدا لك، وهي، أي صورتك، مازالت هناك.
لا تقلق إن شاء الله خير.
بلّغ سلامي لمن حولك. أما بصدد الوطن فالوضع صعب جدّا. ولكن سنتحدّث عن ذلك مرة أخرى.
طاب يومك شكري”.
شارك رأيك