سياسة الدول تقوم على المصالح لكن سياسات الدول العربية تقوم على مشاعر و نزوات الحكام العرب لذلك كان منتظرا أن ينكث الرئيس قيس سعيد منذ وصوله للحكم تعهده الانتخابي بإعادة النظر في ملف العلاقات مع سوريا و محاولة إصلاح ما كسره الرئيس المؤقت السابق محمد المنصف المرزوقي بانخراطه المشبوه في مشروع إسقاط النظام السوري و تدمير سوريا الممول من قطر و السعودية و بعض الدول الخليجية الأخرى.
بقلم أحمد الحباسي
و كما كان منتظرا نكث الرئيس قيس سعيد وعده الانتخابي رغم أهمية الملف السوري و هذا التراجع المفضوح لم يكن مفاجأة لأحد أو لمن يدركون أن الاهتمام الرئاسي بالملف السوري أو بالقضية الفلسطينية ليس إلا بالونة شعارات فارغة يتم استخدامها للاستهلاك المحلي و لا يوليها الكيان الصهيوني أي اهتمام.
يبدو أن الرئيس قيس سعيّد قد أدرك متأخرا جدا أنه هناك فارق كبير بين النظري و التطبيقي و أن اللعب على الحبال ليس متاحا و لا ممكنا و أن من يقترب من الملف السوري سيكتوي بحرارة ارتداداته على مصيره السياسي و سيتم النظر إليه من إسرائيل و أمريكا على أنه شخص غير مرغوب فيه.
تونس و مغامرة “أصدقاء سوريا”
ليس ثمة مؤشر واحد على أن الرئيس قيس سعيد جادّ في سعيه لفتح الملف السوري و التعامل معه كملف و سياسي واقتصادي و ليس ثمّة مؤشر واحد إلى أن السياسة الخارجية التونسية تتضمن مساحة للملف السوري أو أن هذا الملف يأتي في سلم أولويات وزير الخارجية التونسي السيد عثمان الجرندي هذا إضافة إلى أنه ليس في برنامج رئيسة حكومة تصريف الأعمال السيدة نجلاء بودن خلق ديناميكية تحرك غايتها البحث في الكيفية السريعة و المثلى للتعامل مع الملف السوري على كل الواجهات خاصة أن الإشارات الايجابية الصادرة عن الرئيس السوري بشار الأسد أو عن القيادات في الحكومة السورية قد أبقت الأبواب مفتوحة و الأيادي ممدودة للتعاون مع تونس نظرا لوقفة الشعب التونسي في غالبيته مع الشعب السوري في مواجهته للمؤامرة القذرة التي يقف وراءها ما يسمى ب”أصدقاء سوريا” و هو لفيف من الدول المعادية للنظام السوري كانت حركة النهضة و محمد المنصف المرزوقي من المؤلفة قلوبهم معه خاصة عند استقبالهم بقيادة هيلارى كلينتون في تلك الزيارة المشؤومة إلى تونس خلال شهر فيفرى 2012 جزء فاعلا في نشاطاته و اجتماعاته.
حين التقى الرئيس قيس سعيد بوزير الخارجية السوري السيد فيصل المقداد أثناء تواجدهما بالجزائر على خلفية احتفالها بالذكرى الستينية للاستقلال صيف العام الماضي نقل عن الرئيس طلبه من الوزير نقل تحياته إلى الرئيس بشار الأسد منوها بانجازاته ضد ما وصفه بقوى الظلام و التخلف لكن يبدو أن هناك من يضغط من بعض الدول العربية و الأجنبية على الرئيس قيس سعيد للقيام بتراجع سريع عن كل الأفكار التي يمكن أن تراوده لإعادة العلاقات الطبيعية مع سوريا.
بطبيعة الحال لا يميل المحللون في غالبيتهم إلى هذه الفكرة و يرون بالعكس أن ذلك التصريح الغامض و الفاقد للقناعة الشخصية قد كان لطمأنة القيادة الجزائرية التي كانت تسعى في تلك الفترة لضمان أكثر الحظوظ الممكنة لنجاح القمة العربية بالجزائر و الساعية لإعادة توفير الغطاء العربي لعودة سوريا لشغل مقعدها الفارغ بالجامعة العربية.
موقف متردد
يمثل إرجاع العلاقات مع سوريا مطلبا شعبيا واضحا أكدته عديد الوقفات الشعبية الاحتجاجية ضد قطر و تركيا و الولايات المتحدة و بدرجة أقل بعض الدول الخليجية و على رأسها السعودية و الأردن و لذلك لا يتفهم الشارع التونسي سر هذا التردد و الغموض المحيرين في موقف الرئيس قيس سعيد الذي تزخر خطبه المتوالية بالحديث عن السيادة الوطنية لكنه يدوس عليها بنعل التردد و الارتباك في كل مناسبة و بالذات عند رفضه فتح الملف السوري لكن من يملكون الاطلاع على بعض الأسرار داخل القصر الرئاسي يؤكدون أن الرئيس قد تراجع نهائيا عن فتح الملف السوري بعد أن أكد له البعض أن فتح هذا الملف سيجلب له كثيرا من أوجاع الرأس في علاقة بانعكاسات فتح ملف تسفير الإرهابيين إلى سوريا و مشاركة حركة النهضة و بعض الدول الخليجية و الأوروبية في هذه المؤامرة و أن الأسرار التي ستكشف ستطير بعدة رؤوس في تونس.
في النهاية يدرك الرئيس التونسي أن فتح بعض الملفات المستعصية و الحساسة مثل الملف السوري و ملف التسفير و ملف وجود وكر الداعية الراحل يوسف القرضاوي ربما يكون سهلا لكن مواصلة النظر أو إغلاق هذه الملفات لن يكون باليسر المنتظر أو المتوقع لذلك خيّر الخنوع و الصمت.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك