صدر مؤخرا : “تناظرات بين أندري مالرو و محمد زين العابدين “

“Correspondances André Malraux et Mohamed Zinelabidine “

صدر مؤخرا عن دار سوتيميديا للنشر والتوزيع كتاب جديد لوزير الشؤون الثقافية الأسبق محمد زين العابدين، تحت عنوان ” تناظرات بين أندري مالرو و محمد زين العابدين”، وهو كتاب يتطرق إلى النظريات الثقافية المقارنة و مقاربات التجديد في السياسات الثقافية الشاملة. طرح فريد للكاتب يجمع يين الفكري و التطبيقي ليختزل ثلاثين سنة من البحث و التدريس بالجامعة التونسية و جامعات السربون، بالإضافة إلى تجرية خاضها كوزير للشؤون الثقافية من 2016 إلى 2020.

يتنزل هذه الإصدار الأخير في سياق ما نشره محمد زين العابدين تباعا ضمن سلسلة “Collection hypothesis” التي تتألف من سبعة كتب منشورة، تطرقت إلى قضايا الفكر والثقافة الإنسانية للقرن العشرين، قام بتصديرها و التقديم لها أساتذة متميزون من جامعة السربون، فرنسواز برونال، فتحي التريكي، آليان شيرون، فرنسوا دي برنار، بنجمان برو، سناء الغواتي، جيرار بيلي.
و منطلقها المفاهيمي ” حوار ثلاثي جمع Francis Fukuama / Mohamed P Zinelabidine/Samuel P. Huntington”.

أسئلة و فرضبات
حول قضايا المجتمع والسياسة والفنون تقوم على ثلوث معرفي، عناصره ثلاثة؛ الفرضية “L’Hypothesis” والرسالة “L’Epître ” واللامدرك من الفكر “L’Impensé” .

أما الإصدار العلمي الجديد لمحمد زين العابدين في تناظراته مع أندري مالرو، و الذي قدم له رئيس الجامعة المغربية عبد الرحمان طنكول، فهو يعد جملة من المطارحات و السجالات مع رجل الفكر الفرنسي و الوزير المؤسس لوزارة الشؤون الثقافية بفرنسا في 1959. هو نتاج لتجربة دامت ثلاثين سنة من انخراط متواصل لصاحب هذا البحث في الحياة الفكرية والجامعية والفنية والسياسية التونسية. مسيرة انطلقت منذ سنة 1992 نهل فيها المؤلف من المعارف من خلال مشاركاته في ندوات ومحاضرات وأعمال فنية وأشغال أكاديمية بعدد من الجامعات والمنظمات الدولية العريقة على غرار جامعة السوربون والمعهد العربي بباريس وجامعة جورج تاون (واشنطن) وجامعة برلين والمركز الثقافي الايطالي بتونس والوكالة الجامعية الفرنكوفونية وجامعات أخرى في بلجيكا وكوريا الجنوبية والصين ومصر والاردن والإمارات والسنيغال والكوت ديفوار..
مسيرة علمية دفعت بالكاتب، وهو الذي ناقش بجامعات السربون ثلاث أطروحات دكتوراه في “علم الاجتماع الثقافي و السياسي ” و ” الجغرافيا السياسية والجماليات” و ” النظريات الفلسفية و الجمالية للموسيقى في القرن الوسيط” ، دفعته إلى القراءة والتمعن في مسار علمي وأكاديمي و البحث في خصوصيات المشترك و المختلف بين عالم الشرق وعالم الغرب، من خلال تمثل أدوار الثقافة و الفنون “كمرآة شفافة لفهم الواقع الذي ينتابه الغموض جراء المتغيرات الجغراسياسية خاصة على مستوى المعاني و القيم الإنسانية المتنوعة”. هي جسور هرمة ومرهقة ومحطمة من جراء الأزمنة المريرة والبائسة بين الدول، وجب مع ذلك الإمعان في إعادة اعتبارها من خلال تنزيل الفكر والتراث و والآداب والفنون منزلة أساسية و تأسيسية لصياغة ” سلم جماعي” يقطع الطريق مع العنصرية و الغلو و التطرف والظلامية، عبر ترسيخ دلالات “الرمزية العاطفية والمخيال الإيجابي” بعيدا عن الاعتبارات المادية الصرفة و النمطية السلوكية و الاقتداء اللامشروط بثقافات الأقوى، بما يعمل على مناهضة التبعية و الإنهزامية بين المجتمعات و الثقافات.
وخلص الكاتب في استنتاجات بحثه إلى ضرورة إتيان قيم التنوع و الثقافة الإنسانية التي تؤمن بالاشتراك في المصير وتقاسم أهداف الوجود بنبل الاعتراف بالآخر وقبول الاختلاف اللغوي و الديني والعرقي و التراثي…
مما جعله يركز، في تناظراته مع أندري مالرو، على الشخصية الثقافية التونسية، لينطلق محمد زين العابدين في دفاعه عن مقومات سياسة ثقافية وطنية تؤمن بضرورة تفعيل الفكر والإبداع والإنسانيات كأساس معرفي و تطبيقي لتطوير المجتمعات، من خلال الحق الثقافي و المشاركة المدنية و إجبارية التربية على قيم التراث و التربية الجمالية و الابتكار و تفعيل الحقوق المواطنية، إلى جانب التفاعل المسؤول مع الآخر المختلف، خارج منطق الضرورة والصراع بين الدول والمواجهة والهيمنة والإرهاب والترهيب هنا وهناك. هي قراءة مجددة لما يمليه قادم العلاقات بين الثقافات و الحضارات والأديان من حتمية المراجعة والتدارك لبناء عالم إنساني يقوم على قدرة الدول والشعوب على التواصل البناء ثقافيا وحضاريا وإبداعيا.
وهي نظرة مجددة للمقاربات الثقافية السياسية التنموية اليوم، باعتبارها مقترحا تونسيا يمكن أن يحتذى في سياق ما ما تشهده الثقافة من إعادة وعي دولي بضرورتها في عالم يعيرها مستقبلا المقام المرجعي و الأولي و القيادي بهدف تطوير الذهنيات. هو طرح ثقافي يعيد النظر في الأولويات ليستعيد الصناعات الإبداعية و الاقتصاد الرقمي و الاقتصاد التظامني و الاجتماعي و السياحة المستدامة و المحامل الاتصالية التفاعلية و الفنون البصرية و الغرافيتية و الديبلوماسية البديلة كمحركات خلقت اليوم مصادر ثورة الدول الغربية و الآسيوية باعتمادها الاقتصاد البنفسجي لمجتمعات ما بعد الحداثة و التخيل.
فرضيات مقارنة و مقاربات تستدعي النقاش، على أن نعيرها حيزا من البحث النظري و التطبيقي في تضافر بين المعارف و العلوم و الفنون. يما يجعل كتاب محمد زين العابدين في تناظراته مع أندري مالرو مدخلا هاما لها و غوصا في أغوارها التاريخية و المفاهيمية التي تصل بين أبعادها الفردية و الجمعية. وهي في الآن نفسه دعوة لمراجعة للسياسات العمومية كيما تجدد آلياتها و محتوياتها الاستراتيحية و العملية، دفاعا عن الثقافة و رهاناتها المستقبلية.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.