يمثل السيد وديع الجري رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم أحد أكثر الأشخاص الذين تحوم حولهم شبهات كثيرة و أكثر الأشخاص المثيرين للجدل و اللغط و المدّ و الجزر الجدلي. وهو شخص بالغ الذكاء و بارع المناورة و ما يخفيه أكثر بكثير مما يظهره أو يعرفه عنه بعض الأصدقاء الذين رافقوه في التحكم في الجامعة و في السيطرة على قطاع التحكيم.
بقلم أحمد الحباسي
ما يخفيه السيد وديع الجري بإحكام شديد و مبالغ فيه هي علاقته بما يسمى بالإسلام السياسي أو لنقل بحركة النهضة و قيادتها و بالقيادة القطرية التي يعلم الجميع أنها الممول الرئيسي للحركة و صاحبة الأمر و النهي فيها منذ سنوات. لذلك لم يكن مفاجئا لأحد أن يستغل الرجل تلك العلاقة في صراعه مع وزير الرياضة السابق طارق ذياب الذي عينته الحركة في وزارة السيد حمادي الجبالي ثم وزارة على لعريض و يخرج منتصرا في معركة كسر العظم مستغلا مساندة واضحة من أعلى الهياكل القيادية في الجامعة الدولية لكرة القدم (الفيفا).
إجادة اللعب على حبال السياسة
يتذكر الجميع تلك الصورة الشهيرة التي أسالت كثيرا من الحبر و التي جمعت السيد وديع الجري مع أمير قطر تميم بن حمد في ملعب حديقة الأمراء بباريس قبيل مباراة باريس سان جرمان و مانشستر يونايتيد على خلفية الإعلان الرسمي عن احتضان دولة قطر للسوبر التونسي بين الترجي والنادي البنزرتي في ربيع سنة 2019.
لا ينكر المحلل السياسي هشام الحاجي ما يمتلكه السيد وديع الجري من قدرة و إجادة اللعب على حبال السياسة و المناورة و القفز فوق العقبات بدليل ترشيحه من عدة جهات لرئاسة الحكومة بل هناك من يرى فيه حاليا أحد الأشخاص القلائل الذين بإمكانهم الحلول محل القائمة بأعمال الحكومة السيدة نجلاء بودن مؤكدين و لافتين النظر أن تعيينه في هذا المنصب سيضرب عصافير كثيرة بحجر واحد و من بينها جلب ودّ التمويل القطري و التركي بالتبعية و ضرب ائتلاف ما يسمى بجبهة الخلاص في مقتل و حفظ ماء وجه الشيخ راشد الغنوشى الذي رأت فيه بعض قيادات النهضة الشخص الذي فشل في صراعه مع الرئيس قيس سعيد و الذي عليه أن يخرج هذه المرة من الباب الصغير تاركا الحركة فى عنق الزجاجة تعانى نفور الشعب و سخط الرئيس و صعود الأصوات المنادية بمحاسبة قيادتها المتهمة بتهم تصل عقوبتها للإعدام.
في المقابل هناك من يريد رأس رئيس الجامعـــة كلفه ذلك ما كلفه و على رأس هؤلاء طبعا السيد توفيق المكشر رئيس هلال الشابة الذي يتهم الرجل بكونه العقل المدبر لمؤامرة إسقاط هذا النادي للدرجة الثانية.
في حديثه المطول لقناة تونسنا ليلة الاثنين الماضي كذب وزير الشباب و الرياضة السيد كمال دقيش وجود خلافات بينه و بين رئيس الجامعة السيد وديع الجري ملمحا أنه لا يملك وثائق أو ملفات تدين الرجل معتبرا أن ما راج من قرب إيقاف رئيس الجامعة و محاكمته هو مجرد فرقعة إعلامية حبكها بعض المناوئين و المغرضين و لم يبق للسيد الوزير إلا أن يمضى على البطاقة عدد 3 للسيد وديع الجري متجاهلا أنه قد كان من أول من فتحوا النار عليه و من نادوا بتطهير الجامعة من الفساد ملمحا أنه يملك ملفات تدين سوء تصرفه.
في الحقيقة هناك ملفات و هناك شبهات فساد و هناك خور تحكيمي و هناك غطاء سياسي و هناك ارتباك حكومي و هناك ضغوط مختلفة المصادر لإبقاء السيد وديع الجري في منصبه و في الحقيقة أيضا أن الرجل لم يعد يحظى بالإجماع داخل المكتب الجامعي نفسه أو داخل عموم الأندية الرياضية التي تمكن رئيس الجامعة من ضمان صمتها طيلة سنوات مقابل بعض الأموال كضمان توصيتها في كل الجلسات العامة الانتخابية لكن و بالمقابل هناك من يؤكد أن بقاء الرجل طيلة سنوات على رأس الجامعة قد خلف حالات مشبوهة من سوء التصرف معتبرين أن نفيه لذلك لا يمكن الأخذ به معتبرين أن سقوط رئيس الجامعة الدولية لكرة القدم جوزيب بلاتر بتهم الرشاوى و الفساد و بالذات في ملف إسناد تنظيم كأس العالم 2022 للنظام القطري و ما رشح من تقاضيه عملات خيالية بالاشتراك مع اللاعب الفرنسي السابق ميشال بلاتينى و عديد القيادات في هذه الجامعة الدولية أكبر مثال على أن رائحة الفساد قد طالت الجامعة التونسية لكرة القدم.
أسئلة كثيرة تبقى بلا إجابة
هل يمثل السيد وديع الجري خطرا على الأمن العام و الكرة و نزاهة الرياضة في تونس و هل يجب فتح الملفات و محاسبته و فرض الإقامة الجبرية عليه كما يقول المحامي الأستاذ عماد بن حليمة ؟ ما هي الحقيقة فيما يقال حول أن النهضة تقف وراء السيد وديع الجري لما له من ثقل مختزل في كل الجامعات الرياضية التي تخضع لإشرافه و لأوامره نتيجة حاجتها الملحة لأموال الجامعة و التي تمثل خزّانا انتخابيا تحتاجه حركة النهضة في صراعها ضد الرئيس قيس سعيد؟
لماذا يتم التعتيم قضائيا على كل الاتهامات و الشكاوى المقدمة ضد رئيس الجامعة ؟ ماذا وراء الخلاف المحموم بين السيد وديع الجري و السيد توفيق المكشر رئيس هلال الشابة ؟ لماذا يرفض الرئيس قيس سعيد التدخل فى هذا الملف رغم عديد النداءات الموجهة إليه من عديد الأطراف ؟ هل صحيح أن حركة النهضة قد اخترقت كل شيء بما في ذلك جامعة كرة القدم و ما مصير الدعوات المتتالية المطالبة بفصل الرياضة عن السياسة ؟ ماذا سيكون انعكاس سقوط هالة الشابة للدرجة الثانية و هل سيكون قانون الهياكل الرياضية الذي تعده وزارة الشباب و الرياضة الحل الذي طال انتظاره ليضع حدّا لمشاكل كرة القدم التونسية على وجه التحديد؟
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك