هذا المقال مستوحى من عمل بحثي يتمثل في أطروحة ماجستير في التخطيط و التنمية السياسية بكلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية في نابلس – فلسطين عام 2014، و هي من إعداد الطالب أحمد حامد سليمان خضير و تحت إشراف الأستاذ الدكتور (الراحل) عبد الستار قاسم و عنوانها : “دور عملاء إسرائيل في تمزيق النسيج السياسي للشعب الفلسطيني”.
بقلم ياسين فرحاتي
سأحاول التركيز في ما يلي على أحد العناصر المهمة من هذه الدراسة العلمية المتمثل في “التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية و الإحتلال الإسرائيلي” (12.13 ص 87 ) و الذي أعلنت السلطة الوطنية عن إيقافه عقب الأحداث الدموية الجارية في الضفة الغربية منذ أكثر من عام، و التي تصاعدت وتيرتها مع مجيء حكومة نتنياهو الجديدة و التي تضم وزير الأمن المتطرف جدا بن غفير إذ و رغم الجولة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن في المنطقة بهدف تهدئة الأجواء لا تزال الولايات المتحدة كعادتها إلى جانب حليفتها التي تواصل عمليات الاغتيال السياسي اليومي في جنين و أريحا و الضفة الغربية عموما و عمليات التهجير القطري و الاستيطان و تقليع أشجار الزيتون و الاعتقال التعسفي و غيرها من الممارسات العدوانية و غير الإنسانية و المنافية للقانون الدولي. بينما يواصل العالم الغربي المتحضر صمته المطبق و سكوته عن الجرائم بل والتنديد بمحاولات الفلسطينيين الدفاع عن أنفسهم و أعراضهم و ممتلكاتهم.
كما تحظر إتفاقية أوسلو أيضا وجود أي قوات مسلحة أخرى، غير قوات الأمن الفلسطينية في مناطق السلطة، كما يمنع امتلاك أي سلاح من قبل أي فرد لم يحصل على الترخيص اللازم لذلك من قبل السلطة. و بموجب نصوص هذا الاتفاق قامت عدد من اللجان و الوحدات الأمنية المشتركة كلجنة للتنسيق و التعاون الأمني المشترك، و لجنة ارتباط أمنية مشتركة، و لجنة إقليمية مشتركة و مكاتب تنسيق و دوريات مشتركة تضم جنودا إسرائيليين و فلسطينيين.
التنسيق الأمني بين السلطة و العدو الإسرائيلي
و تعتبر عمليات التنسيق الأمني بين السلطة و العدو الإسرائيلي من مخرجات إتفاقية أوسلو سيئة الصيت الموقعة بين الطرفين سنة 1993، حيث جاء في المادة الثانية الخاصة سياسة منع (الإرهاب) و أعمال (العنف) في البروتوكول الخاص بإعادة الإنتشار و الترتيبات الأمنية: “أن الشرطة الفلسطينية، ستعمل و بشكل منظم، ضد جميع أشكال العنف و الإرهاب، و سوف تعتقل و تراكم الأفراد المشتبه بقيامهم باعمال العنف و الإرهاب. كما سيعمل الجانبان على ضمان المعالجة الفورية و الفعالة، لأي حدث فيه تهديد أو عمل إرهابي أو عنف أو تحريض، سواء اقترفه فلسطينيون أو إسرائيليون. و إضافة إلى ذلك، سوف يتعاون الطرفان في تبادل المعلومات، و ينسقان بشأن السياسات و النشاطات، و سوف يتخذان جميع الإجراءات الضرورية لمنع ذلك. كما سيتم اعتقال المدنيين، و التحقيق معهم و مقاضاتهم، و جميع الأشخاص الآخرين المتورطين، بشكل مباشر أو غير مباشر، في أعمال الإرهاب و العنف و التحريض.”
و حسب موقع تنسيق أعمال الحكومة في المناطق التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، فإن التنسيق الأمني يتم بشكل متواصل و دائم بين مختلف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ( بما في ذلك الجيش و الشرطة ) و بين أجهزة الأمن الفلسطينية. كما تعقد اجتماعات و لقاءات مشتركة كثيرة و أيام دراسية من أجل استمراره و تطعيمه و تفعيله، و لكن توقف ذلك بعد سيطرة حركة المقاومة الإسلامية حماس على قطاع غزة في شهر جوان 2007. و هو ما يعد ضربة موجعة لقوات الاحتلال رغم أحدث شرخا داخليا كبيرا لا زالت تبعاته إلى الآن حيث تعتبره السلطة الوطنية الفلسطينية انقلابا بصريح العبارة عليها.
و من المهم الإشارة إليه أن التنسيق يجب أن يكون متبادلا بين الطرفين و في كلا الإتجاهين بما أنه بني على أساس شراكة أمنية، إلا أنه على أرض الواقع، ما يحدث هو العكس تماما، فالتعاون لم يكن كذلك، و إنما ضمن الحدود التي توفر الأمن لإسرائيل، من خلال توفير الأمن للفلسطينيين، حتى تتمكن السلطة الفلسطينية من المحافظة على وتيرة نشاط عالية تكفي للقيام بمهامها الأمنية تجاه إسرائيل و الغريب هنا هو كيف يقدم تجرؤ السلطة على تقديم خدمات للبلاد وهي ترزح تحت نير احتلاله؟!
التنسيق الأمني في اتجاه واحد
و لم يحدث في تاريخ التنسيق الأمني مع الإسرائيليين أن تلقت الأجهزة الأمنية الفلسطينية أي معلومة عن نشاط إرهابي لمستوطن، و لم يحدث أن توجهت قوة فلسطينية لإحباط عمل تخريبي لمستوطنين يهود، و لم يحدث طوال سنوات التنسيق الأمني، أن داهمت القوات الفلسطينية مستوطن يهودية، أن قتلت يهوديا أو اعتقلته أو اتخذت أي إجراء ضده. و هو ما جعل قضية التعاون الأمني مع إسرائيل محل خلاف و مثار جدل واسع في الداخل الفلسطيني و خصوصا مع حماس و باقي الفصائل الفلسطينية في غزة، التي ترى إلى جانب العملاء و الجواسيس سببا في تمزيق النسيج الوطني الفلسطيني و قد أكد الرئيس محمود عباس ابو مازن في حوار خص به صحيفة يدعوت أحرونوت أن : “التنسيق الأمني يستهدف المقاومة الفلسطينية المسلحة، و من يمدها بالسلاح و العتاد اللازم لمحاربة الاحتلال و مهاجمته، سواء في الضفة الغربية أو الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948. و ذهب عباس إلى أبعد من ذلك، عندما وصف التنسيق الأمني مع إسرائيل بالمقدس.”
و في ميزان الربح و الخسارة نجد أن السلطة الفلسطينية هي الخاسر الأكبر من أي تعاون أو تنسيق أمني و لا شك في ذلك ، و لا ندري إن كانت هذه الأخيرة ستمضي قدما في قطع أي علاقة لها بهذه المسألة أم هي قضية ضرفية خصوصا و أن السيد عباس نفسه يدعو و يتوقع و يبني بعض الآمال و هي محض أوهام على أي عملية مفاوضات مراقبة في ظل تعطلها منذ سنوات و تأكد فشلها الذريع. و لم يبق للفلسطينيين و نقوله بكل مرارة السلاح الوحيد لنزع الأرض و الحقوق المغتصبة هو البندقية أي المقاومة المسلحة و قد تحدث عدد من الملاحظين أن إنتفاضة ثالثة في الضفة قد تندلع شرارتها في أي وقت و حين.
كاتب من تونس.
شارك رأيك