وبرامج إصلاح من أجل ديمومة المؤسسة
تعتبر شركة “نقل تونس” من ركائز منظومة التنقلات الحضرية بتونس الكبرى وتسعى رغم إمكانياتها المحدودة الراهنة إلى تأمين مرفق عام يغطّي حوالي 80 % من النقل العمومي المنتظم الحضري وذلك رغم الصعوبات التي أصبحت تواجهها على مستوى توفير السيولة المالية اللازمة للإيفاء بتعهداتها المالية حيث بلغ حجم ديونها1880 مليون دينار سنة 2022 منها 230 مليون دينار لفائدة البنوك ومزودي قطع الغيار، هذا بالإضافة إلى صعوبة الإيفاء بتعهداتها تجاه المزودين العموميين.
🔺وضعية مالية صعبة:
تمرّ الشركة بصعوبات هيكلية لتحقيق التوازنات المالية تتمثّل أساسا في ضعف القدرة على تغطية أعباء الاستغلال عبر مداخيل الاستغلال بما في ذلك الدّعم السنوي المرصود من الدّولة، ذلك أنه بعنوان سنة 2022 بلغت مداخيل الاستغلال 10% و44% باعتبار منحة دعم الدولة بعنوان النقل المدرسي والجامعي من حجم أعباء الإستغلال، مع تسجيل عجز سنوي يناهز 235 مليون دينار.
وللعلم فإنّ الدّعم السنوي الذي ترصده الدّولة بعنوان منحة الاستغلال لا يسمح سوى بتغطية المستحقات المالية للأعوان البالغ عددهم حوالي 7350 عونا والذين بلغت نسبة أعبائهم 73,4%من المداخيل سنة 2022 مقابل 52% سنة 2010.
وتشكو الشركة من ارتفاع كلفة الاستغلال جرّاء الأعطاب المرتبطة بالصيانة التي تتطلّب اعتمادات كبرى لإعادة استغلال الأسطول المعطّب، وعلاوة على ذلك فقد ساهمت الزيادات المتتالية في سعر المحروقات والارتفاع المتواصل في أسعار قطع الغيار في مزيد تعقيد الوضعية المالية.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أنّ أبرز أسباب التدهور الملحوظ للفارق بين مؤشري المداخيل وتكاليف الاستغلال هو عدم الزيادة في التعريفة استجابة لسياسة الحفاظ على المقدرة الشرائية للمواطن حيث يناهز المفعول المالي لتجميد التعريفة 700 مليون دينار خلال الفترة 2011-2020 وتراجع مؤشر تغطية أعباء الأعوان باعتبار الدّعم من 67% سنة 2010 إلى 49% سنة 2022.
كما تطوّر مجموع الأعباء بمعدّل سنوي يناهز 5,3% حيث ارتفعت من 236 مليون دينار سنة 2010 إلى 437 مليون دينار سنة 2022 وذلك بسبب ارتفاع كتلة الأجور بمعدّل سنوي يناهز 8,2% خلال الفترة 2010 -2022حيث تمثل69,3% من مجموع الأعباء لسنة 2022 مقابل 50% لسنة 2010.
من جانب آخر ساهم تراجع عدد الأسطول وتفاقم ظاهرة الترسكية في تراجع المداخيل المباشرة التي تبلغ حوالي 40 مليون دينار سنة 2022 مقابل ما يفوق 70 مليون دينار سنة 2010، وتمثل ظاهرة الترسكية من قبل المخالفين الذين يمثلون 40 % من المسافرين أحد أسباب تراجع المداخيل متسببة في خسائر تقدّر بـ 20 مليون دينار سنويا.
🔺وضعية الأسطول:
أدى التأخير في إنجاز البرامج السنوية للتعويض إلى تراكم عدد الحافلات المستوفاة لمعايير التعويض في حدود 277 حافلة في موفي ديسمبر 2021وذلك بعد إحالة 239 حافلة على عدم الاستغلال خلال شهر أكتوبر 2022، وهو ما أدى إلى اهتراء الحافلات الجديدة بسبب الاستغلال المكثف لها ذلك أن 81% من الكيلومترات المجدية تم إنجازها بواسطة 32% من مجموع الحافلات.
كما أثّر عدم توفر قطع الغيار بالنسبة لأسطول المترو سلبا على الجاهزية والاستجابة للطلبات المتزايدة، بالإضافة إلى التأخير في إعادة التهيئة الكاملة لجزء كبير من الأسطول بسبب ارتفاع الكلفة وغياب التمويل.
ونتج عن التأخير في تنفيذ برامج الاقتناءات تقادم الأسطول الذي أصبح معدّل عمره :12 سنة و7 أشهر بالنسبة للحافلات و27 سنة و11شهرا بالنسبة لعربات المترو و44 سنة و11 شهرا بالنسبة لعربات الخط ت.ح.م. وهو ما يفسر تزايد عدد الأعطاب بداية من سنة 2020.
تراجع معدّل الأسطول المتجوّل كامل أيام الأسبوع:
عدد الحافلات المتجوّلة: 437 في 2022 مقابل 744 سنة 20210
المترو: 57 عربة في سنة 2022 مقابل 118 سنة 2010
الخط ت -ح-م : 5 قطارات سنة 2022 مقابل 11 قطارا سنة 2010
🔺تفاقم الاعتداءات على الأعوان والأسطول:
سجلت الشركة 1573 اعتداء سنة 2021 كبّد الشركة خسائر بلغت 1 مليون دينار لتتجاوز هذه الخسائر هذا الرقم سنة 2022 وذلك دون احتساب كلفة النقص في المداخيل طيلة فترة التوقف عن الاستغلال.
فبالرغم من مساعي الشركة ومجهودات أعوانها المتواصلة من أجل تحسين جاهزية الأسطول اعتمادا على الإمكانيات المتوفرة في ظل الوضعية المالية الراهنة، فإنّ تكرّر الاعتداءات التي تستهدف أعوانها وأسطول عرباتها وحافلاتها زاد في تعميق أزمتها لنظرا لتداعياتها من حيث كلفة العطل المرضية وتكاليف العلاج بالإضافة إلى توقف استغلال الأسطول إلى حين القيام بعمليات الصيانة وهو ما يؤدي حتما إلى التخفيض في الأسطول المتجوّل وبالتالي تقليص العرض.
وتتكرّر عمليات التخريب لممتلكات الشركة وعمليات الرشق بالحجارة بصفــة تكـاد تكون يـومية بالإضافة إلى تـفـشي ظـاهرة غلـق الطريق واحتجاز الحافلات والأعوان على متنها للمطالبة بسفرات إضافية وما يستوجبه ذلك في كلّ مرّة من تغيير للمسلك ومن خسارة الوقت وتعميق صعوبات التنقل بالنسبة للحرفاء، وهذا السيناريو نفسه تشهده عربات المترو حيث يتم احتجازها عند تأخر السفرات المسجّلة لأعطاب أثناء تأمينها على أحد الخطوط.
وللعلم يبلغ عدد نقاط التوقف بشبكة الحافلات 1907 نقطة ذهابا وإيابا على امتداد 7284 كم. وتضم شبكة المترو البالغ طولها 61 كم (سكّة مزدوجة) 65 محطة في حين يبلغ طول الخط ت-ح-م 19 كم (سكّة مزدوجة) ويضم 18 محطة.
🔺التزام اجتماعي رغم الصعوبات
رغم الوضعية الصعبة التي تمر بها الشركة فإنّها ملتزمة بطابعها الاجتماعي الذي تأسست من أجله ومساهمة في الجدوى الاقتصادية للمؤسسات وداعمة لمجالات حيوية أخرى على غرار الأمن والتعليم والصحة والتشغيل والثقافة والرياضة….. ولاتزال تعمل حسب الإمكانيات المتوفّرة من أجل الاستجابة للطلبات المتزايدة، حيث أنّ الشركة تعتمد شبكة خطوط تأخذ بعين الاعتبار طبيعة تنقلات الحرفاء للوصول إلى مقرات العمل والمؤسسات ومناطق الإنتاج والمستشفيات والمدارس والجامعات والمبيتات الجامعية والمرافق الرياضية والثقافية…. وغيرها من المرافق العمومية الأخرى، رغم إشكاليات البنية التحتية المتعلّقة بعدد من الوجهات المقصودة وتأثيرها على الأسطول وعلى مردودية السفرات وكلفتها.
كما تنتهج الشركة سياسة التعريفات المنخفضة خدمة لعديد القطاعات، وتتراوح نسبة التخفيض في التعريفة بين 45.5 % بالنسبة للبطاقات الأسبوعية و94% بالنسبة للاشتراكات المدرسية والجامعية مع العلم أن التعريفة الكاملة التي يمثل عدد مسافريها 47% تعتبر في حد ذاتها اجتماعية، كما ناهزت المستحقات المتراكمة للشركة لدى الهياكل المنتفعة بالنقل المجاني 111مليون دينار إلى موفّى سنة 2019 و115 مليون دينار في نهاية سنة 2022.
ورغم الصعوبات التي سبق شرحها، فقد أمّـنت الشركة نقل حوالي 176 مليون مسافرسنة2022 30% منهم طلبة وتلاميذ، وهو ما يعني تأمين 500 ألف مسافر يوميا، الأمر الذي يستدعي التنويه بمجهودات الشركة وأعوانها الذين يسهرون على تأمين جاهزية الأسطول في حدود الإمكانيات المتوفرة
🔺برنامج إصلاح وسبل تنمية شركة النقل بتونس:
يمثّل إصلاح شركة نقل تونس والنهوض بها والحفاظ على ديمومتها من أولويات عمل وزارة النّقل وذلك في إطار المحاور التي حدّدتها الرؤية الإستراتيجية لقطاع النقل واللوجستية في أفق 2040، والمتمثلة أساسا في إعادة هيكلة المؤسسات العمومية التي تعاني من صعوبات مالية حادة والنهوض بمنظومة التنقلات الحضرية في إطار مقاربة مجدّدة حيث تمّ بتاريخ 1 أفريل 2022 ، إطلاق السياسة الوطنية للتنقلات الحضرية تقوم على إنشاء نظام متكامل للتنقّل الحضري يستجيب لمتطلبات التنمية الحضرية والمتغيّرات الديمغرافية والإجتماعية والإقتصادية والمؤسساتية وتساعد تونس على احترام التزاماتها الدّولية فيما يتعلّق بالحدّ من انبعاثات غازات الإحتباس الحراري بالإضافة إلى الإتجاه نحو استغلال وسائل نقل متطوّرة ومستدامة وتحسين النجاعة الطاقية ومراجعة الإطار القانوني وملاءمته مع متطلبات القطاع والإستثمار في الرأس المال البشري
وقد تمّ في غضون سنة 2022 عرض برنامج متكامل لإصلاح وتنمية الشركة “الرؤية والتحدّيات – آفاق 2030» على أنظار المجلس الوزاري يهدف إلى ضمان التوازنات المالية في موفى سنة 2030 وتجاوز الصعوبات على المدى القريب حيث تضمّن جملة من المشاريع الإصلاحية على المدى القريب وعلى المدى المتوسط و البعيد.
🔶 على المدى القريب والعاجل: تحسين الجاهزية
تأهيل 89 حافلة
تأهيل 13 عربة مترو
اقتناء 300 حافلة مستعملة: باعتبار الوضعية المالية للشركة التي لا تسمح لها بتدعيم الأسطول باقتناءات جديدة ولتلبية طلبات النقل المستعجلة والمتأكدة، وكخيار ظرفي ، انطلقت الشركة في إجراءات اقتناء 300 حافلة مستعملة لتدعيم الأسطول وتحسين مستوى جاهزيته وبالتالي تحسين العرض خلال السداسي الأوّل من سنة 2023.
🔶 على المدى المتوسط والبعيد: استثمارات من الحجم الكبير
اقتناء 718 حافلة خلال الفترة الممتدة بين 2023 و2026 منها 175 حافلة مع موفّى سنة 2023،
تأهيل بين 50 و80 عربة مترو بين سنتي 2024 و2026،
اقتناء 54 عربة مترو جديدة،
اقتناء 18 عربة للخط تونس-حلق الوادي-المرسى: مشروع بصدد الإنجاز بعد أن تم إمضاء اتفاقيات التمويل المتعلّقة به.
من جانب آخر تضمّن مشروع اصلاح شركة “نقل تونس” جملة من البرامج يتمثل أساسا في:
- الاندماج بين الشبكات من خلال وضع منظومتي استخلاص وتعريفات مندمجتين
- الاعتماد على أدوات التصرف الحديثة حيث تعمل الشركة على تنفيذ خطة لتطوير الحوكمة الداخلية وتعزيز التدقيق الداخلي والشفافية
- ترشيد النفقات
- وضع برنامج خماسي لتنمية الشركة وتطويرها وتحسين الأداء على مستوى النتائج المالية والنشاط
- استكمال تركيز منظومة السلامة والأمن
شارك رأيك