تونس تعيش اليوم حالة من الشد و الجذب و من التوترات في أكثر من قطاع حساس عدا عن نشاط المعارضة و سخونة المعركة الكلامية و لغة التهديد و الوعيد بينها و بين رئيس الجمهورية قيس سعيد وهو ما يخلق حالة من القلق و الفوضى و عدم الاستقرار لا يساعد على إخراج البلاد من الأزمة الخانقة التي تتخبط فيها.
بقلم ياسين فرحاتي
تأتي حملة الاعتقالات التي طالت من ضمن ما طالت ما يعرف في نظام الرئيس الراحل زين العابدين برئيس حكومة الظل رجل الأعمال الأكثر إثارة للجدل و المولع بالسياسة و الذي وصفة رئيس جبهة الخلاص أحمد نجيب الشابي بالصديق كمال اللطيف و سياسيين معروفين بعضهم شغل مناصب وزارية و قيادية في نداء تونس منل لزهر العكرمي و وزير العدل الأسبق عن حركة النهضة نور الدين البحيري و إعلاميين متنفذين مثل نور الدين بوطار مدير عام إذاعة موزاييك و قيادات أمنية و رجال قانون و نواب سابقين مثل عبد الحميد الجلاصي و وليد جلاد.
التهمة الموجهة إلى كل هؤلاء الذين لا تجمع بينهم أية وشائج معلومة هي التآمر على أمن الدولة عقب الانتخابات التشريعية في دورها الثاني و قبيل انعقاد المجلس النيابي الجديد في الرابع من مارس القادم. و إن ظل كل محاموهم يصرحون للإعلام أن التهم الموجهة واهية و الحجج المادية غائبة و الملفات فارغة…
تختلف وجهات النظر تجاه ما يجري بين مشكك و رافض و مؤيد و تبقى القاعدة القانونية سارية المفعول فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته. لكن ما يهمنا هو فحص و تحليل الوضع العام في البلاد و الوضع الإقليمي و الدولي الذي لا يمكن ألا يؤثرا فينا بأي حال من الأحوال.
معركة طويلة و صعبة
يقدم الرئيس قيس سعيد نفسه كحامل للواء التغيير و كرجل المرحلة و تضعه آخر استطلاعات الرأي التي أجراها “معهد سيغما كونساي” في المرتبة الأولى في نوايا التصويت للانتخابات الرئاسية لو قدر لها أن تجرى بنسبة 40% متقدما على الكاتب الصحفي و الناشط السياسي الصافي سعيد و رئيسة الدستوري الحر عبير موسي. و قد لفت في عملية سبر الآراء الأخيرة صعود نجم مغني الراب كادوريم و هو من المفارقات و الغرائب فعلا في عالم السياسة اليوم.
الرئيس يحاول اليوم الوفاء بتعهداته تجاه الشعب التونسي و الضرب بيد من حديد على من يسميهم ‘الفاسدين و المحتكرين و المضاربين و المتأمرين” و هو يؤمن أنها معركة طويلة و صعبة و مريرة كان الله في عونه إذا صدقت نواياه فعلا فالتهم حسب ما يصرح به “لا يشوبها شك أو ريب”. و هو مسنود سياسيا في ذلك بتنسيقيات عديدة التي تدعم بقوة مسار 25 جويلية 2021 أي إعلان حالة الاستثناء التي يوصفها المعارضون بالانقلاب.
و من المهم الإشارة أنه لو ثبتت و تأكد قضائيا ان الإيقافات اليوم و التي قد تطال عديدين آخرين سترتفع شعبية الرئيس مما يعزز فرصه أكثر في العمل ربما بنوع من الأريحية و الثقة في النفس و المضي قدما في تنفيذ مشاريعه خصوصا في هذه الفترة التي يتصاعد فيها الحديث عن تجاوزات و تحديات أمنية و تسريبات خطيرة تتعلق ببعض الفرق و العناصر بالمؤسسة الأمنية على علاقة بالنظام العام و بالجريمة الإرهابية حسب البرنامج الإستقصائي المزعوم التي بثته قناة الجزيرة القطرية خلال الأيام القليلة الماضية.
حالة من الشد و الجذب و من التوترات في أكثر من قطاع حساس عدا عن نشاط المعارضة و سخونة المعركة الكلامية و لغة التهديد و الوعيد و الإلتجاء في بعض الأحيان إلى أطراف للاستثمار بها و طلب العون و خلق حالة من الفوضى و إثارة الرأي الدولي ينطبق على الإتحاد العام التونسي للشغل و بعض الأحزاب السياسية. كما تتواصل أيضا مطالب الأساتذة النواب المشروعة أمام تلكؤ الوزارة ذات الصلة و تنصلها من وعودها و تلاعبها بأعصاب منظوريها.
اعتقال خصوم الرئيس
في الوقت ذاته تواصل الحكومة عملها الدؤوب على أكثر من صعيد داخليا و خارجيا حيث زيارة لدولة الإمارات أجرتها رئيسة الحكومة نجلاء بودن في قمة دولة للحكومات العربية و كانت لها لقاءات بشخصيات كبيرة و وفود هامة منها رئيسة الصندوق الدولي حيث تجدد الحديث خلالها عن إمكانية الموافقة قريبا على القرض المطلوب شريطة إتمام استيفاء الحكومة لكل الشروط التي التزمت بها. و قد أكدت مصادر صحفية و إعلامية أن نسق المفاوضات في تقدم. بينما الإتحاد الأوروبي يتمسك بشراكته مع تونس لكنه ينتقد بشدة اعتقال خصوم الرئيس بدعوى الدفاع عن الديمقراطية و الحريات.
الوضع الراهن ليس وليد اللحظة لكنه نتيجة تراكم وقائع و أحداث على الأقل على ارتباط بأزمة فيروس كورونا و بالحرب الروسية الأوكرانية التي فاقمت من تردي الوضع الاقتصادي بالبلاد و إذا كان تغيير 25 جويلية كان كردة فعل ضد حكام سنوات ما بعد الثورة خصوصا الإسلام السياسي فإن التغيير يجب أن يكون جملة عمليات إصلاح ديناميكي متواصل و أن شرط نجاح مسار 25 جويلية مرتبط أساسا بنوعية الفريق التي يدير دفة الحكم و مدى اهتمامه بواقع التونسبين و تفاعله مع الإقليم و مع الفاعلين السياسيين الكبار في العالم و يمكن دائما أن يكون الحوار الوسيلة المثلى لحل معضلاتنا السياسية في إطار قضاء نزيه و شفاف لكن لا للتسامح مع من ينوي إيذاء التونسيين أو مصمم على الإنتقام منهم و إشعال نار الفتنة… شرط إثبات التهم ماديا و ليس بالاكثفاء بما يصرح به الرئيس حول هذا الموضوع.
كاتب من تونس.
شارك رأيك