أرهقهم وأتعبهم بعد أن حشرهم في الزاوية، ثم جرّهم إلى التحقيق في قضايا تتعلق بالأمن القومي خاصة ما قاموا به إبان الحقبة الزمنية التي تلت الثورة التونسية، وبعد أن تدرجت الأزمة السياسية نحو التصعيد وتدحرجت نحو التعقيد، وحدث ما يشبه الصراع بين المعارضة والسُّلطة، فضّل الرئيس قيس سعيّد المواجهة المباشرة مع المعارضة بكل أصنافها بلا استثناء على الحوار والجلوس إلى الطاولة، لأنه يراهم يتصارعون من أجل السلطة لا من أجل خدمة الشعب التونسي، ويرونه يجمع السلطات بين يديه لإعدام كل صوت يخالفه، وهذا هو السبب الجوهري للخلاف بينهما
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
فالرئيس التونسي يسير بخطى يراها ثابتة نحو ترسيخ هيبة الدولة من جديد بعد أن ضاعت خلال السنوات الماضية، فعمل ما عمل من أجل التغيير الاستراتيجي الذي تفرضه المرحلة الماضية، وإن كان عمله بطيئا نوعا ما وتنقصه الحكمة في بعض المواقف إلا أنه استطاع أن يواصل مسيره ومساره الذي اختاره أن يكون دون تأثير كبير من المعارضة رغم محاولاتها المتكررة وإصرارها على تقويض السلطة ونزعها من بين يديه، فحاول كل حزب بمفرده في البداية تشويه سمعة الرئيس والادعاء بأنه انقلب على السلطة الشرعية.
رئيس الجمهورية أسلوب المواجهة
وعندما فشلت كل الأحزاب في ذلك بما فيهم حزب النهضة لجأت إلى التكتل وجذب بعض الشخصيات الناشطة على المستوى السياسي، لكنها أيضا فشلت في التعبئة العامة وإجبار رئيس الجمهورية على التراجع عما يقوم به، مما دفع السيد قيس سعيّد إلى مواصلة ما كان يرنو إليه بل إن ذلك كان حافزا قويا للمضي قدما نحو تغيير الخارطة السياسية في تونس.
وعلى هذا، عندما اختار رئيس الجمهورية أسلوب المواجهة مع خصومه السياسيين، كان لا بد من ظهور تحديات كبيرة على الساحة السياسية ومنها استقواء المعارضة بما فيها الاتحاد العام التونسي للشغل بالخارج، وجذب الإعلام الخارجي والمنظمات النقابية والمدنية والحقوقية للضغط على الرئيس التونسي بشكل أو بآخر حتى يتراجع عن كل قراراته، فسخّروا بعض القنوات الإعلامية للتركيز على هذه القضية من خلال بيان أن ما يفعله رئيس الجمهورية هو تنكيل واضح بالمعارضين السياسيين وخرق كبير للدستور التونسي الذي أقسم عليه، وإثارة وتأجيج الخلاف بينه وبين الاتحاد العام التونسي للشغل، وتصوير هذه المنظمة الشغيلة بأنها بريئة مما يحصل في تونس، وأثارت مسألة طرد النقابية الأوروبية التي شاركت في الاحتجاجات في مدينة صفاقس واعتبارها شخصية غير مرغوب فيها وأمرتها السلطة بمغادرة البلاد خلال أربع وعشرين ساعة وكأنها مسألة حقوقية لا صلة لها بالتدخل في الشؤون الداخلية وما ذاك إلا لإجبار الرئيس التونسي على ترك السلطة وأنه لم يعد قادرا على تحمل المسؤولية في البلاد.
لا حل قريبا في الأفق
كل هذا يحدث في تونس اليوم، وكل المؤشرات تدل على أنه لا حل قريبا في الأفق، وقد صمم الرئيس على قيادة هذه الحرب الشرسة ظنا منه أنه سيفوز في النهاية على كل من تآمر على الدولة وهيبتها، وعلى كل من سعى للسلطة دون مراقبة، وعلى كل من احتكر وجوّع الشعب التونسي، وعلى كل من استغل السلطة من أجل مآربه الشخصية أو الحزبية، وإذا تبين صحة ما يفعله لا شك أنه سيحوز على رضا الشعب التونسي بكل فئاته رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة والاجتماعية الحادة…
لكن إذا خسر الرئيس سعيد الرهان فإن الشعب التونسي لن يسكت على هذه الحالة التي وصلت إليها البلاد، وسينتفض مرة أخرى للبحث عن حلول جذرية لأزمته الأساسية والتي لم تجد من يدافع عنها بشرف وإخلاص.
لعل الأيام القادمة تفرز ما كان مُبهما خلال هذه الأيام، والوقت يمضي بسرعة على الرئيس قيس سعيّد الذي لم يعد في جعبته إلا بعض الشهور أو أكثر من سنة قليلا ليثبت فيها أنه قادر على إنقاذ الشعب التونسي ومحاربة الفساد بأنواعه، وتطبيق القانون على الجميع مهما كان مركزه الاجتماعي والحزبي، والمضي قُدما نحو تحرير تونس من الصراع الداخلي الذي أطال الأزمة في البلاد وغيّر مسارها التاريخي نحو الهاوية والإفلاس والانقسام.
شارك رأيك