الصديق وقت الضيق، هذه المقولة ليست صحيحة و هي تضاف لعديد المقولات الزائفة التي تتحدث عن المصير المشترك و الوحدة العربية. اليوم لم يعد هناك مجال للمراوغة أو تزييف الواقع العربي أو تجميل صورة العلاقات المتردية بين الدول العربية أو نكران وجود خلافات بينها فما يحدث يتجاوز أفلام الخيال العلمي بمراحل و لم يعد من الممكن أن تصمت الأقلام الحرة عن دق جرس الإنذار منبهة أن الصمت على ما يحدث يعد جريمة ضمير و أخلاق موصوفة. (الصورة : قيس سعيّد يتقابل الثلاثاء 28 فيفري 2023 الشيخ خالد بن خليفة بن عبد العزيز آل ثاني رئيس مجلس الوزراء بدولة قطر).
بقلم أحمد الحباسي
هل هناك علاقات عربية طبيعية؟ بالطبع لا يحتاج السؤال إلى إجابة لأن الأجدر أن نسأل هل هناك دولة عربية ليس لها نزاع مع دول قريبة من حدودها؟ سؤال آخر يقول: هل هناك مساع عربية جدية لرأب الصدع؟ الجواب أيضا بلا لأن الجامعة العربية التي يمكن أن تقوم بهذا الدور قد تحولت إلى كيان ما شافش حاجة و السيد أحمد أبو الغيط الأمين العام لهذه الجامعة معزول و لا يملك أية قدرة على تغيير الأوضاع السلبية و المتشعبة أو لنقلها صراحة هو أحد العارفين بأن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم.
الرئيس يسوس البلاد بالرؤية و التخمين و الشكوك
بطبيعة الحال في تونس لا يختلف كثيرا عن حال المزاج السياسي في بقية البلدان العربية و للرئيس قيس سعيد نظرة سياسية تحتاج إلى كثير من التقويم و المراجعة لأنه و ببساطة شديدة ليست هناك سياسة خارجية واضحة و رؤية تعاون مع بقية الأشقاء مدروسة فالرئيس يسوس البلاد بالرؤية و التخمين و بكثير من الشكوك و لذلك نلاحظ بأم العين شحّ الزيارات الرئاسية للبلدان العربية و ندرة الوفود العربية المعتادة في عهد نظام الرئيس التونسي الراحل المرحوم زين العابدين بن على.
مع ذلك نتساءل لماذا تخلى الأشقاء العرب على تونس و لماذا شحّت الاستثمارات و لماذا لم نعد نسمع من دول الخليج إلا صوت قناة الجزيرة التي امتهنت منذ سنوات إثارة البلبلة و تقويض كل المساعي الحميدة الهادفة لخلق جو من الاستقرار في تونس؟ ما هي الهواجس الخليجية و هل تم إشعار السلطات التونسية بهذه الهواجس للبحث عن كيفية إعطاء ضمانات معينة من شأنها أن ترفع كل التباس؟ أم أن هناك ضغوط دولية معينة على بعض الدول الخليجية حتى تتجنب الاستثمار في تونس لأسباب سياسية معينة؟
ربما يقول البعض أن الجزائر قد استطاعت التحكم في الحقل السياسي التونسي و هناك من يتحدث عن انحياز تونسي إلى جانب الجزائر في خلافها مع المغرب حول ملف الصحراء الغربية و هناك من ذهبت به الظنون الخبيثة بعيدا ليحسم و يؤكد بأن الجزائر قد نجحت في احتواء تونس بشكل جعلها تفقد سيادتها منذ تولى الرئيس قيس سعيد.
ضبابية حول الموقف التونسي
هذه الظنون و التحاليل ليست صحيحة لأن العلاقات مع المغرب لا تختلف عن علاقات تونس مع الجزائر و ليبيا لكن هذا التوجه لا يمنع أن هناك ضبابية حول الموقف التونسي ترجع أساسا و بالذات إلى افتقار الرئاسة التونسية إلى خطة اتصالية جيدة قادرة على وضع النقاط على الحروف و توضيح الموقف التونسي بمنتهى الشافية المطلوبة. لكن يبقى السؤال لماذا لم تعبر المغرب عن مساندتها الملموسة للشعب التونسي في صراعه ضد الجماعات الإرهابية و لم تقدم أي دعم أمني ملموس للحد من خطورته؟ لماذا أصبحت ليبيا قاعدة لتسريب الإرهابيين و الأسلحة لضرب الوضع الأمني الهش و لماذا لا تزال القيادة الجزائرية مرتبكة في تعاملها مع تونس؟
لعله من المثير للانتباه أيضا أن هناك استثمارات و مشاريع قد تم الاتفاق على تنفيذها مع مجموعة بوخاطر الإماراتية التي من المفترض أن يقع استئناف العمل فيها بعد سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي و مشروع المرفأ المالي بإحدى المناطق الساحلية التونسية الممول من بيت التمويل الخليجي و بنك الاستثمار الإسلامي و يتضمن مجموعة متنوعة من الوحدات التجارية و السكنية و المنشآت الترفيهية التي تتكون من مرفأ بحري و مجمعا سكنيا و ملاعب و هناك مشاريع استثمارية كبرى لا تزال معطلة من بينها مشروع مدينة باب المتوسط، هذه المشاريع و غيرها لو تمّ تنفيذها لتغيرت الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية في تونس إلى الأحسن.
في الحقيقة الأوضاع الحالية في تونس لا تحتاج لحلها إلى ضخ للمساعدات المالية فحسب بل تحتاج و بالتوازي إلى شراكة اقتصادية معمقة مختلفة الجوانب و التحديات بحيث تتحول تونس في أقرب وقت إلى قطب للتجارة العالمية في قلب البحر الأبيض المتوسط و حينها يمكن الحديث عن القواسم العربية و المصير المشترك.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك