يخوض السيد قيس سعيّد معركته الأخيرة في تونس قبل انتهاء مدة رئاسته الأولى التي لم يبق منها إلا القليل، وبدأ رئيس الجمهورية التونسية يسارع الزمن وهو يمضي قُدما في مشروعه الإصلاحي في المسار السياسي رغم معارضة كثير من الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية، ولم يلتفت إلى الوراء لأنه عقد العزم على السير إلى الأمام دون التوقف عند العقبات والتحدّيات التي بدأت تتكاثر وتتوالد وربما تشكل في قادم الأيام هاجسًا مُخيفًا ومعوقا كبيرًا في هذه المسيرة التي قطعها في الفترة الماضية.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد
وبعد أن حلّ مجلس النواب وعين بنفسه أعضاء مجلس قضاء جديد ودشّن دستورا جديدا للبلاد، وأقام انتخابات تشريعية أفرزت مجلس نواب جديدا بنسبة مشاركة انتخابية لا تتجاوز 11 في المائة، حلّ المجالس البلدية واستبدلها بمجالس خاصة تابعة لوزارة الداخلية أي للسلطة التنفيذية ليقطع كل صلة بالماضي القريب، ويبدأ كل شيء جديد في عهده، ولم يبق له اليوم إلا حل واحد حتى يفك عُقدته ويواجه المعارضة بكل قوة، يتمثل في إنقاذ الاقتصاد التونسي والبحث عن حلول جذرية للأزمة الاجتماعية التي وصلت حدّها الأقصى من الاختناق.
إنقاذ البلاد من الإفلاس
إنها المعركة السياسية الأخيرة للسيد قيس سعيّد، في إثبات قوته أو ضعفه، فإن نجح في هذه المعركة الشرسة سيظهر بمظهر القوي في الشارع التونسي الذي أنقذ البلاد من الإفلاس الحقيقي وأخرجها من الأزمة التي كادت تعصف بها، وسينتقل إلى مرحلة جديدة من التوافق مع الشعب، وسيتحول المعارضون إلى مناصرين له، لأن الشعب التونسي إذا رأى تحسنا في حياته اليومية وخرج من حالة الضيق التي راودته فترة طويلة فإنه لا شك سوف يمسك بمن كان سببا في ذلك ويدعوه إلى مواصلة المشوار.
أما إذا فشل الرئيس في إنقاذ البلاد وازدادت الأزمة بعدها تعمقا وانهيارا للحالة الاجتماعية للمواطن التونسي وغرق في ديونه، ولم يعد يستطع أن يوفر لنفسه وعياله ما يحتاجه من لقمة عيش فإنه سينتفض كما ينتفض العصفور الذي بلّله القَطْر، ويعلن نهاية حقبة لم تكن في الحسبان. وقد تتجه البلاد حينذاك إلى الفوضى مرة أخرى بحثا عن سند جديد يمكن أن ينقذها من سباتها ويخرجها من محنتها التي بقيت تُظلم المكان يوما بعد يوم.
هكذا صرّح رئيس الجمهورية التونسية السيد قيس سعيد أنه فتح النار على من سماهم بالفاسدين بكل أنواعهم وأصنافهم، فلا أحد يعلو على القانون، ولا أحد بمعزل عن الحساب ولا أحد سيتهرب أو يهرب من العقاب، فقد بات الحساب قريبا وكل فرد ينال جزاءه بما اقترفت يداه من سرقة الشعب التونسي وإفقاره والاحتيال عليه، وقد بدأ فعلا هذه المعركة باعتقال مجموعة من رجال الأعمال والسياسيين والنقابيين ليعلن أن الحرب مستمرة وعلى الدولة أن تستعد لمعركة كبيرة في ما بقي من وقت.
الأوراق بدأت تنفذ
وليس أمام رئيس الجمهورية إلا أن يفعل ذلك، فكل الأوراق التي بيده بدأت تنفد، ولم ترفع أي ورقة شعبيته إلى ما كانت عليه عند ترشحه للرئاسة وقبل 25 جويلية 2021، فإما أن تكون هذه الورقة رابحة تجلب له السعادة، وإما أن تكون خاسرة وتجلب له التعاسة. لكن في النهاية هي معركة شرسة ومحتدمة وليست سهلة، فهل خطط لها الرئيس قيس سعيّد
جيدا حتى يبقي على حالة القوة التي كان يرنو إلى بقائها في فترة رئاسته، أم أن الأمر سيتغير؟
ليس أمام الشعب التونسي إلا الانتظار إلى ما ستسفر عنه هذه المعركة الأخيرة من نتائج، رغم محاولات المعارضة التصدي لها من أول وهلة لأنها تعلم يقينا أنه إذا نجح قيس سعيّد في معركته هذه فإن ذلك يعني أن رئيس الجمهورية قضى على المعارضة تماما وقلعها من جذورها، ولم يعد لها وجود، وبالتالي ستتفكك جبهة الخلاص، وسيأفل الناشطون
السياسيون والنقابيون، وسيسلكون طريقا مغايرا للطريق الذي سلكوه، لأنهم سيغرّدون خارج السرب كما يقال. فهل ينجح السيد قيس سعيد في معركته الأخيرة فعلا؟
شارك رأيك