هل طويت صفحة اغتيال الشهيد محمد الزواري إلى الأبد ؟ و ألا تتحمل حكومات ما عرف بالعشرية السوداء جزءا من المسؤولية في ذلك ؟ و لماذا لا نحيي ذكرى استشهاده كزعيم وطني و عربي مثلما نحيي ذكرى فرحات حشاد و غيره من شهداء تونس مثل شكري بلعيد و محمد البراهمي ؟!
بقلم ياسين فرحاتي
تفتح اليوم في تونس عديد الملفات الشائكة و المحيرة و المثيرة أيضا للجدل على غرار قضية التسفير إلى بؤرالتوتر و غيرها من الملفات التي تحتاج إلى معالجة دقيقة و واضحة و حتي يعرف الحق من الباطل فإما يدمغه و إما فإن الباطل كان زهوقا. و لكن يبقى ملف إستشهاد المهندس التونسي أصيل مدينة صفاقس موضوعا منسيا أخذ في وقته صدى ثم نسي أو وقع تجاهله تماما و كأن ما حدث سحابة صيف أو أمر يجب نسيانه لأننا ربما لا حول و لا قوة لنا به حتى نعيد فتحه.
و لكن طالما أن عديد الملفات و القضايا تجد من يستمع إليها و نحن نتناول تقريبا نفس الحقبة السياسية أي حكم الترويكا و ما بعده و هي أيضا قضية أمن قومي و تمسنا في الصميم و ربما أخفيت بعض الحقائق خوفا أو إستهزاءا بإنجازات الرجل وهو من ضحى بنفسه من أجل قضية عربية و إنسانية عادلة تمس حق الشعوب في تقرير مصيرها في الوقت الذي تتصاعد فيه موجات القتل و التصفية و التنكيل و الاستيطان ضد الفلسطينيين من قبل الجنود الصهاينة. و رغم عمليات الشجب و الإدانة العربية و الدعوة التونسية الرسمية إلى دعم العمل العربي المشترك و تفعيله و لكنه في اعتقادي كلام لا يسمن و لا يغني من جوع.
عملية اختراق مخابراتية كبرى
لقد جاء اغتيال الباحث في هندسة الطائرات بدون طيار في مسقط رأسه بعاصمة الجنوب على يد فرقة صهيونية مختصة في ظروف غامضة جدا و قد أوردت بعض المصادر الإعلامية أنه لوحظ تواجد لطاقم صحفي إسرائيلي قبل عملية الإغتيال بأشهر يصور قبالة مقر وزارة الداخلية و لكن الخبر مر مرور الكرام. كما نبأ استشهاده كاد يمر مرور الكرام لو لم تعلن حركة المقاومة الإسلامية حماس عن إغتيال “العالم” التونسي بهذه العبارة و قدمت ما يشبة تجربة و حياة الرجل و إعتبرته رئيس مشروعها في التصنيع الحربي و قد حكى عنه مؤطره في رسالة الدكتوراة من مدرسة المهندسين بصفاقس أنه كان يشتغل على مشروع تصنيع فرقاطة حربية يمكن التحكم فيها عن بعد. و لا نعلم الآن هل ثمة يواصل مشروعه العلمي و الهندسي.
إن المسؤولية تقع على عاتق من حكموا في تلك الفترة حيث أستبيحت في عهدهم حدودنا البرية و الجوية و البحرية في عملية اختراق على مستوى جهاز الاستخبارات التونسية و لم يقع فتح الملف بصفة جدية فمن يدري أن الكيان الصهيوني لن يستهدف شخصا آخر تونسيا و لهذا الكيان الغاصب سوابق خلال حقبة الثمانينيات حيث إستهدفت قيادات منظمة التحرير الفلسطينية حيث قتل عدد من الأبطال الشجعان مثل أبو جهاد.
هنا أتسائل هل ستتجرؤ الدولة التونسية على إعادة فتح القضية من جديد لمحاولة فهم من جرى و هل ثمة تهاون متعمد من السلطات التونسية وقتذاك ؟ و هل يمكن تحديد المسؤوليات بدقة على جهة معينة ؟ أم أن الحكومة حينذاك تحمل محمد الزواري نفسه المسؤولية كونه لم يكن معروفا لديها ربما و هذا الأرجح فهي لا ترى ضرورة في إيلاء القضية اهتماما كبيرا رغم أنه مقتله أسال حبرا كثيرا و أفردت له عديد القنوات التلفزية و الإذاعية مساحات واسعة للتحليل و التعليق.
التصنيع العسكري في المقاومة الفلسطينية
من المعلوم أن أحد مطوري برنامج التصنيع العسكري في المقاومة الفلسطينية متزوج من إمرأة سورية و قد أذيع وقتها أنها السلطات التونسية رفضت منحها الجنسية و إلى حد الساعة لا نعلم إن كانت لا تزال مقيمة بتونس أم لا و ما هي ظروفها الخاصة ؟ ذلك أن الرئيس قيس سعيد في كل مناسبة يؤكد على دعمه للقضية الفلسطينية ككل رئيس تونسي و يصر على رفضه للتطبيع مع العدو الإسرائيلي لكن هذا الكلام يجب أن يتجسد على أرض الواقع فباستثناء ما يشبه نصب تذكاري للشهيد أو إشارة إليه لم نر ما يلفت الانتباه بصورة حقيقية تعطيه قيمة حقيقية في بلاده أليست فلسطين قضية تهم كل العرب و المسلمين !
لماذا لا نحيي يوم الشهيد في إطار الإحتفال على الأقل بذكرى الشهداء و يكون هو من ضمنهم ! هل يقل هو قيمة عن الزعيم فرحات حشاد فمثلما ناضلنا ضد فرنسا الإستعمارية لا بد أن نقاوم الإستعمار الإسرائيلي لفلسطين بكل الوسائل الممكنة و المتاحة و بالتالي أرى على وجه الاستحقاق و الجدارة و الصدق أن الشهيد الزواري يستأهل يوما يمجد ذكرى وفاته مثلما في كل عام نحتفل بيوم 5 ديسمبر ( 1952 ).
و مثلما كنا نطالع و نقرأ في الكتب المدرسية على أولئك المقاومين مثل مصباح الجربوعي و نقرأ عن شي غيفارا فمحمد الزواري لا يقل إطلاقا قيمة و مكانة و فخرا عنهم.
كاتب من تونس.
شارك رأيك