“أيّ دور للنّخب التونسية في الإنتقال الديمقراطي؟” ذلك هو عنوان الندوة العلميّة التي نظمها منتدى قرطاج للأمن والتّنمية يوم السّبت 11 مارس 2023 بمقرّ ودادية خرّيجي المدرسة الوطنية للإدارة الكائن بالمنزه السّادس بالعاصمة.
بقلم الأسعد بوعزي
تهدف الندوة حسب ما ورد بالبرنامج الذي تمّ ضبطه إلى استنطاق طبيعة إسهامات النّخبة التونسية في الميدان السّياسي والمعرفي والاقتصادي والإعلامي والإتصالي وطرح المسائل الجوهرية حول مدى تطابق رؤى النّخبة مع أنساق مختلف مراحل الانتقال الدّيمقراطي منذ 2011 الى اليوم.
حضر هذه النّدوة جمع من الأدباء والمفكّرين والإعلاميّين والأساتذة الجامعيّين وعدد من إطارات الدولة المتقاعدين شمل نخبة من السّفراء ورجال الدّولة والخبراء في شتّى الميادين.
بعد افتتاح الدورة من طرف السّيدة سلوى التّارزي رئيسة المنتدى التي حرصت على إنجاح هذا النشاط الذي يكتسي أهمّية بالغة في هذه المرحلة المفصليّة والحسّاسة من التحوّل الديمقراطي فتحت المجال للمحاضرين للتدّخل في عديد المواضيع التي سنعرضها في ما يلي.
1) مسؤولية النّخب زمن التحوّلات الديمقراطية:
تناول السيّد حمّادي بن جاب اللّه الأستاذ الجامعي والفيلسوف والخبير الدّولي بالشّرح هذا الموضوع وبيّن دور النخبة وتأثيرها في الانتقال الديمقراطي بدءا بهيرودوت (القرن الخامس قبل الميلاد) الذي وضع أنظمة الحكم لأوّل مرّة في التاريخ وقسّمها الى نظام ملكي ونظام جمهوري ديمقراطي ونظام حكم الأقلّية (oligarchie) وصولا الى “روسّو” و”منتسكيو” الذين طوّرا مفهوم النظام الديمقراطي وأضفيا عليه مسحة من القانون الدّولي والإنساني.
السيد حمّادي بن جاب الله لم ينس ان يعرّج على دورالزعيم بورقيبة في بناء الدولة الوطنية على المقوّمات التي وصفها علماء العصر التنويري بوصفه رجلا مثقّفا ومتشبّعا من الفكر التقدّمي كما أكد على أن الدّولة الوطنية بثوابتها البورقيبيّة لم تفشل في خياراتها بما أن حراك 2011 رفع شعارات تنادي بالشغل والحرّية والكرامة الوطنية وهي نفس الأهداف التي كان بورقيبة يسعى الى تحقيقها.
هذا، وخلُص المُحاضر إلى أن من تولّوا الحكم بعد سنة 2011 أخذوا الدولة كغنيمة وحادوا عن الأهداف التي نادى بها الشعب كما فشلت النخبة في التصدّي الى تحطيم الدولة وأصبحت بذلك نكبة التونسيّين تُترجم بعلوّ هممهم وعجز نخبتهم في مساندتهم على تحقيق حلمهم في بعده المعيشي (شغل) والإنساني (حرّية) والوطني (كرامة وطنية).
ولعلّ من أهمّ ما جاء في تدخّل الأستاذ جاب اللّه على الإطلاق هو قوله أن دستور الولايات المتّحدة الأمريكية لم يتعرّض البتّة الى ذكر الدّيمقراطية بل انّ هذه القوّة الكونيّة تكفّر هذه الكلمة مع أنها تنصّب نفسها المدافع الأوحد عنها وتدرج الدّول على القائمة السّوداء على أساسها وبمقتضاها.
هذه المعلومة التي كنت شخصيّا أجهلها كم هيّ أشفت غليلي وأنا الذي يزعم معرفة قوانين هذه الدّولة وعارفا بالعناصر التي تحكم سياستها الخارجية ذلك أنها أجابت عن سؤال طالما أرّقني ولم أجد له جوابا ألا وهو “ما سرّ إصرار الولايات المتحدة على زرع أخطبوط القرضاوي في بلادنا”؟
الجواب الذي استخلصته وبكلّ تأكيد هو أن كلاهما (أمريكا والقرضاوي) يعادي الدّيمقراطية ولا يمكنه بسط هيمنته إلاّ عبر نشر الفكر الظلامي.
2) أيّ دور للنّخب الإعلامية والإتصالية؟
تعرّض الإعلامي والأستاذ السيّد مصطفى عطيّة إلى دور النّخب الإعلامية والإتصالية في إنجاح التحوّل الدّيمقراطي وبيّن أن القوى الظلامية التي حكمت تونس بعد 14 جانفي 2011 نجحت في محاصرة النّخبة التونسية وقادت ضدّها حربا تحت شعار “نكبتنا في نخبتنا” ممّا أضعف دور هذه النخبة في الدّفاع عن مبادئ الدّولة الوطنية وثوابتها إذ منها من خضع الى السّلطة القائمة ومنها من انحنى للعاصفة ومنها من تنكّر للمبادئ البورقيبيّة (قلب الفيسته) ولم يقاوم منها إلاّ ما رحم ربّك وهي مقاومة لم تنجح في أداء دورها للمحافضة على الدّولة الوطنية وذلك لأسباب موضوعيّة وأخرى غير موضوعيّة.
من بين الأسباب التي أدّت الى غياب النّخب الإعلامية والإتصالية الوطنيّة على السّاحة هي تنصيب القوى الظلامية التي حكمت تونس بعد 2011 لِما يسمّيه الأستاذ عطيّة لنخبة “الحمقى الضّروريّين Les idiots utiles” وهي عبارة عن فئة مرتزقة ودخيلة عن الإعلام تمّ تجنيدها في خدمة القوى الأجنبية التي تموّلها.
3) ما هو دور النّخبة النسائيّة في ظلّ عدم المساواة بين المرأة والرّجل؟
تعرّضت الأستاذة الجامعيّة رياض الزّغل الى دور النّخبة النسائيّة في إنجاح الانتقال الدّيمقراطي وبيّنت أن القوى الظلامية شجّعت ما أسمته برداءة الحكم ( médiocratie) على حساب الدّيمقراطية ونجحت في حجب دور المرأة على السّاحة الوطنية حتّى كاد أن يكون هذا الدّور منعدما بسبب عدم المساواة بين الرّجل والمرأة وأستشهدت في ذلك بدراسة قام بها الإتحاد الأروبي تبرز أن النسبة المائوية لمساهمة المرأة في العمل السياسي تنحدر كلّما اتّجهنا نحو الشرق وذلك بحكم النظرة الذكوريّة للمشرقيّين من ناحية وغيرة النّساء من بعضهنّ البعض من ناحية أخرى.
4) النقاش العام:
بعد النهاية من المحاضلرات فُتح النقاش العام للحضور فكانت كلّ التدخّلات تصبّ في اقتراح بعض التوصيات منها:
– إعادة صياغة مفهوم النّخبة وخاصّة منها ما يتعلّق بالإعلام وقطع الطريق أمام الدّخلاء وتجريم التمويل المشبوه والمال الفاسد،
– اعتماد الدّيمقراطية العقلانيّة ومحاربة الشّعبويّة،
– بعث ميثاق قرطاج لحماية النّخب من المحاصرة والتّركيع والتّطويع والتدجين،
– تشجيع النّخب النّسوية من أجل تولّي مراكز القرار بما يدعّم دورها في إنجاح التحوّل الديمقراطي.
وعلى ضوء ما ورد بهذه النّدوة رأيت أنه من واجبي التتقدّم بسؤال لعلّه يلخّص كلّ ما تناوب المحاضرون على شرحه. يتمحور جوهر هذا السّؤال حول ثلاثة أفكار رئيسيّة وردت في تدخّلات الأساتذة المحاضرين الثلاثة:
ما جاء على لسان الأستاذ حمّادي جاب اللّه من أن الدستور الأمريكي لم يذكر كلمة الدّيمقراطية بل يكفّرها بما يفسّر دعم الأمريكيّن لوجود وكر القرضاوي بتونس وهو الذي يسعى الى تهديم أسس الدولة الوطنية،
ما جاء على لسان الأستاذ مصطفى عطيّة من أن قلّة من النّخب صمدت في وجه القوى الظلامية للدّفاع عن مقوّمات الجمهورية،
وأخيرا ما أكدته الأستاذة رياض الزّغل من أن دور النخبة النسائيّة تمّ حجبه أساسا بحكم النظرة والنزعة الذّكورية وغيرة النساء من بعضهنّ البعض.
وبناءا على ما سبق كان السّؤال في الصّغة التّالية: أنتم يا أيّها السّادة الذين تمثّلون النخبة التي تحمل الفكر البورقيبي ها هيّ أمامكم الأستاذة عبير موسي ترابط طوال سنتين أمام مقرّ القرضاوي بشارع خير الدين بالعاصمة دفاعا عن الدّولة الوطنية ونظامها الجمهوري فما يمنعكم من مساندتها معنويّا وهو ما لا يكلّفكم شيئا؟ وهل يمكن تفسير هذا السلوك بواعز النّزعة الذّكورية وبالغيرة النسائيّة كما ورد على لسان الأستاذة الزّغل؟ علما وأنني استثنيت من الحضور الأستاذ حمّادي بن جاب اللّه الذي سبق له أن زار المناضلة عبير موسي صحبة ثلّة من المثقفين في مقرّ الاعتصام.
تلك هي حيثيات هذه النّدوة التي كانت في مجملها ناجحة وكان بالإمكان أن تكون أكثر إفادة لو تمّ نقلها للعموم غير أن إعلامنا الموقّر وخاصّة العمومي منه غاب عن تغطيّة هذه النّدوة وليس في ذلك سرّا بما أن نخبة الإعلام والإتصال تمّ محاصرتها من طرف ما أسماه الأستاذ مصطفى عطيّة بنخبة “الحمقى الضروريّين” (idiots utiles”).
خلاصة القول أن “نكبتنا في نخبتنا” وليس هذا بالمفهوم الذي تبنّته قوى الظلم والظلاميّة.
ضابط في البحرية التونسية متقاعد.
شارك رأيك