وضع تونس اليوم مشابه لما تقوم به بعض الحيوانات من طباع الحمل الوديع إلى القطّ المُهادن إلى النسر المُحلّق في الآفاق إلى السلحفاة المتقوقعة إلى القنفذ في تحفّظه وحدّة طبعه.
بقلم ميلاد خالدي
صدق من قال أنّ الحيوانات هي أصدق تعبير عن سلوكيات البشر و تصرّفاتهم لذا فالتأمّل في تحرّكاتهم و طًرق عيشهم يمكن أن يُلهم الإنسان العادي و السياسي على حدّ السّواء. لكن ليس كلّ ما نتلقّاه جدير بالأخذ، فكم من سلوك وردّة فعل تجلب لنا الهول و الوبال من قبيل العدائية و التقوقع المقيت و الانعزالية المُميتة. فوضع تونس مشابه لما تقوم به بعض الحيوانات من طباع الحمل الوديع إلى القطّ المُهادن إلى النسر المُحلّق في الآفاق إلى السلحفاة المتقوقعة إلى القنفذ في تحفّظه وحدّة طبعه.
سياسة السُلحفاة…
تناهى إلينا منذ الصغر من خلال مشاهد الكرتون أنّ السلحفاة حيوان حكيم يمكن أن ينافس غيره ويصل إلى وجهته رغم بطئه الفظيع.
هذه السفاسف، الآن، تفقد مصداقيتها و فاعليتها لأنّ سياسة البُطء لا تخلق إلاّ التقاعس و الكسل و التخلّف. إنّه ذلك التباطء الذي لا يرضى عند الحدود الدنيا ليبلغ سُمك القشرة و ثِقل القوقعة. كلّما توغّلنا في البطء إلاّ و ازدادت القوقعة تصلّبا و تحجّرا.
سأل حكيم سياسيا لماذا تخافون السرعة و الإسراع و التعجيل في التنفيذ، فالبطء يقتل الشُعوب و يأتي بأجلها؟ فأجابه السياسي : لماذا تستعجل طرح السؤال فما زال أمامنا الكثير من الوقت. ننتظر مطرا مدرارا هذا المساء… لترحمنا السّماء… برحمتها… إنّها الدمغجة التي لم تنته بعد…
حسب المثل التونسي “حديثنا قياس” و مقاس ذلك البلد الإفريقي المغاربي المُتفرنس المُتحوّل الذي أبى الاّ أن يشنّ غارة أرض جوّ ضدّ وافدين أفارقة جنوب العالم.
تلك هي قوقعة السلحفاة التي تتحرّك لتضرب جّارا قريبا أو لإرضاء طرف آخر حتى ينتهي بنسف ديبلوماسية العرق والتاريخ و الجغرافيا.
التقوقع حول الذات و تشييد سقف خرساني هو نتاج صراع الذات مع فشلها و عُقمها أو رفض تجديد الدماء على مستوى العلاقات و التحالفات و التكتّلات. فمن لا تكتّل له يمّحي و يموت و من “رأسه يابسة” تتصلّب عروقه و يتجلّط دمه فالصلابة موت و المرونة انطلاق. ولا يغرنّك طول عمر السلحفاة فالكثرة إرباك لجودة الحياة.
سياسة القُنفذ…
من المتعارف عليه أنّ أفضل أساليب الدفاع الطبيعي هو ما يُفرزه الجسم و يفقه آليات عمله أي ما يأتي من الداخل. لنقل أنّ ما يمكن أن يقتلنا هو قابع و كامن فينا. إذ يمكن أن يبعد عنّا الأذى لكن نتائجه لا تبشّر بطلائع الغد. حين نُطلق سهامنا النارية على المجتمع المدني من نقّابات ومنظّمات وجمعيات فنحن نُطلق النّار على الساق اليمنى قبل اليسرى. نتكوّر حتى يتسنّى لنا تكبير حجمنا أو تحجيم جُرمنا. إنّها مسامير القنفذ التي يدقّها الحاكم بأمره من أجل تشييد جدار الأسلاك الشائكة، كي يكون في مقدورنا العيش مرّة و نصف. الويل لمن لا يُؤمن بالحلول الأنصاف…
في هذا الغرض، يقول المُبشّر الانجيلي الأمريكي بيلي سانداي Billy Sunday “يعتقد بعض الأشخاص أنّه يجب عليهم أن يُشبهوا القنفذ ليكونوا أتقياء…” في الحقيقة، لا داعي أن نُشبه القنفذ كي ندّعي العفّة و النزاهة. إذا كانت القنافذ منطوية على نفسها غريزيا و لم نسمع عنها التوغّل في مناطق الاشتباك و لا الاحتكاك بأيّ جسم و لا حتى بجدار فكيف، إذن، للدنس أن يجد طريقا؟
الأيدي القذرة أفضل من الأيدي النظيفة حسب مقولة فيلسوف وجودي باريسي يفتخر بقيمة الاحتكاك حتى و إن كلّفنا إبر القنافذ. على فكرة، القفّازات القُطنية لن تغيّر شيئا طالما الأصابع منقبضة…و تبحث عن فجوة من الفجوات…
كاتب تونسي.
شارك رأيك