يعقد مجلس نواب الشعب التونسي الجديد أولى جلساته اليوم الإثنين 13 مارس 2023، بناء على الأمر الرئاسي عدد 221 المؤرخ في 8 مارس الجاري والصادر بالرائد الرسمي عدد 24، والذي يحدد أيضا إجراءات الجلسة الافتتاحية، بعد أن كانت أغلقت أبوابه لحوالي سنة وثمانية أشهر في 25 جويلية 2021.
وبالنظر لمؤاخذات الرئيس قيس سعيد على البرلمان السابق وطريقة تسييره والتعامل بين نوابه، من المنتظر أن يكون البرلمان الجديد مختلفا عن سابقه، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار الشكل الجديد لهذه المؤسسة السيادية، على مستوى طريقة انتخاب النواب وعددهم والصلاحيات الموكولة لهم وانتماءاتهم، رغم غياب صورة واضحة حول حدود هذا البرلمان وعلاقته بالخصوص بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم الذي ينتظر أن يقع انتخابه لاحقا.
ويجدر التذكير أنه إلى جانب الخلاف الجلي الذي كان قائما بين البرلمان السابق ورئاسة الجمهورية على مستويات عدة، فإن الوضع الذي وصل إليه البرلمان السابق وتأزم الخلافات بين التيارات السياسية المتنافرة الممثلة فيه، والصورة السيئة التي صدّرها للتونسيين المتابعين لمعاركه على شاشة التلفاز أو على شبكات التواصل الاجتماعي، يعد من الأسباب الرئيسية التي دفعت رئيس الدولة إلى تجميد أعماله في 25 جويلية 2021 وحله بصفة نهائية بمرسوم رئاسي في 30 مارس 2022.
القظع مع حالات التشنج والغليان والمشادات الكلامية
ولم تخل جلسة واحدة تقريبا، من الجلسات العامة لمجلس نواب الشعب المنتخب في 2019 من حالات التشنج والغليان والمشادات الكلامية بين النواب، وتبادل التهم والشتائم والصراخ، وخاصة بين النواب الممثلين لأكبر الكتل البرلمانية على غرار حركة النهضة والحزب الحر الدستوري وائتلاف الكرامة.
وعند استحضار فترة عمل البرلمان السابق، تتبادر إلى الذهن كل مشاهد الشجار المتواصلة بين رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي مع نواب النهضة وائتلاف الكرامة، الذين كانوا يتهجمون باستمرار على خصومهم السياسيين وعلى الصحفيين وعلى كل من يخالفهم الرأي، بأسلوب لا يليق في كثير من الحالات بموقعهم كنواب شعب ولا بالمؤسسة التي يمثلونها.
كما لا يمكن نسيان المشاهد التي بلغ فيها الخلاف مرحلة العنف الجسدي، ولعل أبرز هذه الحوادث الاعتداء بالعنف على النائب عن حزب التيار الديمقراطي أنور الشاهد من قبل نواب ائتلاف الكرامة، وصفع رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي من قبل النائب عن ائتلاف الكرامة الصحبي سمارة، واعتداء النائب عن حركة النهضة الناجي الجمل على نائبة الحزب الدستوري الحر زينب السفاري، إلى جانب العديد من المناسبات التي تحول فيها النقاش إلى حلقة شتم وتبادل للتهم بالفساد والتكفير والإرهاب، مما تسبب في تعطيل متواصل للجلسات العامة.
والأكيد هو أن الاختلافات والخلافات السياسية والأيديولوجية بين تيارات متنافرة، كانت السبب وراء حالة العداوة والنفور بين نواب البرلمان السابق، وبالخصوص نواب كتلة الحزب الدستوري الحر والنواب المحسوبون على التيارين الإسلاميين (حركة النهضة وائتلاف الكرامة)، وعوضا عن استغلال هذا الاختلاف كعنصر لإثراء النقاش وتطوير المنظومة التشريعية، أصبحت الشتائم وتبادل التهم ونشر خطاب الكراهية، بديلا للحوار.
وكنتيجة حتمية لحالة الاحتقان شبه الدائمة تحت قبة مجلس نواب الشعب، والخلافات الحادة بين التيارات السياسية الممثلة فيه، عجز البرلمان على القيام بوظيفته التشريعية، حيث بقيت العديد من مشاريع القوانين والملفات الهامة على الرفوف، ولم يتوصل النواب إلى التوافق حولها، وفي مقدمتها تركيز المحكمة الدستورية الموروث من برلمان 2014.
وإلى جانب المحكمة الدستورية، لم يتمكن البرلمان من المصادقة على مشاريع قوانين هامة مثل مشروع القانون المتعلق بمجلة المياه واستكمال تركيز الهيئات الدستورية التي استعصت على البرلمان منذ الولاية السابقة، إذ لم يتمكن من انتخاب أية هيئة دستورية من الهيئات الخمس المنصوص عليها في الدستور، رغم المصادقة على قوانينها المنظمة منذ المدة البرلمانية السابقة.
في انتظار استكمال الصورة الجديدة للعمل البرلماني
كما عجز البرلمان السابق على تمرير “مشروع قانون حقوق المرضى والمسؤولية الطبية”، الذي ينتظره المرضى والعاملون في الصحة، وهو أحد مشاريع القوانين الموروثة من المدة النيابية السابقة، والذي فشل البرلمان في التوصل إلى صيغة توافقية بخصوصه وأرجأ المصادقة عليه أكثر من مرة، وكذلك “مشروع قانون إصدار مجلة مؤسسات الاستثمار الجماعي”.
وأمام “الحالة الكارثية” التي بلغها البرلمان وتعطل أعماله المتواصل، طالبت كتل برلمانية وسياسيون وكذلك مواطنون رئيس الجمهورية بتفعيل الفصل 80 من الدستور لإنهاء حالة الفوضى في البرلمان وفي البلاد، خوفا من أن يصل منسوب الصراع بين التيارات السياسية والإيديولوجية إلى حد لا يمكن السيطرة عليه، وهو ما دفع برئيس الجمهورية الى إصدار تحذيرات في مناسبات عديدة باتخاذ كل الإجراءات التي يخولها له الدستور، قبل أن يتخذ قرارا بتجميد أعمال البرلمان في 25 جويلية 2021 ضمن مجموعة من الإجراءات الاستثنائية غيرت المشهد السياسي وشكل السلطة والنظام.
وفي انتظار استكمال الصورة الجديدة للعمل البرلماني، في إطار تشريعي جديد وبتركيبة مختلفة عن البرلمان السابق، وفي ظل نظام حكم مختلف يمنح مجلس نواب الشعب صلاحيات أقل، ينتظر النواب الجدد ملفات حساسة وأهمها تركيز مؤسسة سيادية تكرس مبادئ الشفافية والديمقراطية، وتكون منفتحة على الإعلام والمجتمع المدني، وتنجح في الحفاظ على سير أشغالها في كنف الاحترام المتبادل بين النواب.
وات.
شارك رأيك