تقوم حملة الرئيس قيس سعيد على مقاومة الفساد و المحافظة على المال العام و على الحوكمة الرشيدة هذا في النظري و في المتداول من خطب سيادته المكررة لكن في التطبيق الأمر مختلف ثلاثمائة و ستون درجة و هناك مظاهر عديدة لسوء التصرف الحكومي من بينها تواصل توفير مرافقة أمنية للشيخ راشد الغنوشي رئيس مجلس النواب المطرود.
بقلم أحمد الحباسي
هذه المرافقة تتكلف على المواطن التونسي دافع الضرائب مبلغا شهريا مهما في ظرف اقتصادي سلبي على كافة الأصعدة و في وقت تلتجئ فيه الحكومة الفاشلة للسيدة نجلاء بودن إلى الخارج لمزيد التداين و البحث عن مصادر تمويل للميزانية العرجاء التي تم إقرارها رغم ما فيها من عيوب و مزيد إثقال كاهل المواطنين الذين بات أكثرهم يعيش تحت خط الفقر و من أكوام الزبالة.
“كنز” من المعلومات الثمينة
لطالما أثار وجود مرافقة أمنية لمرشد النهضة جدلا ساخنا في تونس على مدى السنوات الماضية خاصة أن موقف الشيخ من المؤسسة الأمنية برمتها معلن وهو يرى فيها مثل أنصاره طاغوتا يجب القضاء عليه كما أن الاعتراض يقوم على حجم النفقات و كلفة تلك الحماية غير المبررة و أن كان البعض يرى أن حماية الصندوق الأسود للحركة الإسلامية مسألة مهمة لأن للرجل أعداء كثيرون و في حمايته حفاظ على “كنز” من المعلومات الثمينة حول الأنشطة السرية للنهضة.
بالرغم من ذلك هناك من يزال يتساءل لماذا لا يزال مرشد حركة النهضة يتمتع رغم طرده المدوي من كرسي مجلس النواب بمرافقة و حماية أمنية مكلفة؟ لماذا لم يقع دراسة إمكانية رفع هذه المرافقة التي تكلف المجموعة الوطنية و خزينة الدولة اعتمادات كبيرة جدا في حين تحتاج أحياء و مناطق سكنية لحماية أمنية عاجلة؟ هل تحولت لجنة الخبراء بوزارة الداخلية المكلفة بدراسة المخاطر الأمنية التي يمكن أن يتعرض لها بعض الشخصيات إلى مجرد لجنة شكلية لا يقتصر دورها على تحديد المخاطر بل يقتصر على المصادقة على التعليمات السياسية لتمكين شخصيات سياسية بعينها – لأسباب سياسية و وجود ضغوط دولية خارجية – من المرافقة الأمنية دون احترام للمقاييس التقنية المطلوبة و دون وجود إثباتات حقيقية على وجود تهديدات مؤكدة؟
هل تناست وزارة الداخلية و رئاسة الجمهورية و السيد راشد الغنوشي نفسه أنه من قرر رفع المرافقة الأمنية عن رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر الأستاذة عبير موسي رغم ما كانت تتعرض له من تهديدات و اعتداءات بدنية ملموسة داخل البرلمان السابق؟ لماذا يحظى شخص متهم بممارسة الإرهاب و التخابر مع الأجانب و التآمر على أمن الدولة بحراسة أمنية رغم ما تملكه الحركة الإسلامية من كوادر “عسكرية” عالية التدريب تابعة لجهازها السري؟
تجنيب الدولة أعباء مالية شهرية
تؤكد بعض التحقيقات الصحفية أن مرشد حركة الإخوان في تونس ضالع فى ممارسة الإرهاب و تمويله كما هو ضالع في التآمر على أمن الدولة و بهذا المعنى فهذا الشخص هو من يمثل خطرا داهما على المجموعة الوطنية و ليس العكس وهو قادر بما يملكه من أموال خيالية مشبوهة على توفير حماية أمنية خاصة و ليس في حاجة للمرافقة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية لكن من المؤكد بالمقابل أن الرئيس قيس سعيد يخضع إلى ضغوط خارجية حتى لا يرفع تلك المرافقة تجنبا لوجع الرأس في فترة يعاني فيها من تراجع شعبيته بصورة متواصلة و من تصاعد نفوذ بارونات الاحتكار الذين عاثوا في الاقتصاد و في قفة المواطن فسادا رغم جعجعة خطب و تحذيرات الرئيس و محاولات وزير الداخلية للمسك بزمام الأمور دون جدوى. ليتصاعد السؤال حول الأسباب المجهولة التي تجعل لجنة دراسة منح الحماية الخاصة لا تسارع باتخاذ قرار يجنب الدولة أعباء مالية شهرية.
لعل المثير في مسألة رفع المرافقة الأمنية أن هذا الموضوع لا يحظى بالمتابعة الإعلامية أو بحلقات النقاش المتتاثرة ولا باهتمام منظمات المجتمع المدني مثل جمعية أنا يقظ و لذلك لا توجد أية تقارير أو دراسات حول كلفة هذه المرافقة و لا تحديدا لعدتها أو عددها كما أن رئيس الجمهورية نفسه لم يتعرض في كل خطبه إلى هذه المسألة رغم أن تواصل نزيف كلفة هذه المرافقة و تخصيصها لشخص متهم بالفساد أمر يدعو إلى طرح عديد الأسئلة حول جدية شعار الرئيس بمكافحة الفساد و ضرب الفاسدين. فهل أن الرئيس لا يعتبر مثل هذا التبذير وجها لسوء الحوكمة و تبذيرا مقصودا و غير مبرر لموارد الدولة و هل بات على نواب مجلس الشعب المنصّب حديثا الإسراع بإثارة هذه المعضلة حتى يتم وضع حدّ لهذه المهزلة؟ هل ستنتبه حكومة الفشل الدائم هذه المرة برفع المرافقة الأمنية مع استرجاع المعدات المخصصة لهذه الحماية أم سيقف السيد وزير الداخلية في وجه رفع هذه الحماية لأغراض لا علاقة لها بالمصالح العليا للوطن؟
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك