مبدئيا لا حواجز تفصل تفصل بين السياسة و الإعلام و الصحافة و هذا الكلام يؤكد ما قاله ذات مرة وزير الخارجية السورية الراحل وليد المعلم خلال قمة عربية انعقدت في بلاده، من “أن السياسة تسير بالتوازي مع الإعلام”. و ثمة رأي آخر يقول بأن الصحفي الحقيقي هو الذي يشتغل بالخبر و التعليق و التحليل السياسي.
بقلم ياسين فرحاتي
هذا الكلام يجرنا للحديث عن مهنة جديدة أصبحنا نراها في البعض من إذاعاتنا و تلفزاتنا حيث نجد أن من يؤثث منابرها الحوارية إما سياسيون سابقون أو فنانون (ممثلون و مغنون). فمثلا الوزيرة السابقة مجدولين الشارني عن حركة نداء تونس بعد أن غادرت حقل العمل الحكومي، اشتغلت كمحللة سياسية أو كرونيكوز بأحد الإذاعات و نجد كذلك النائب السابق محمد البارودي كرونيكورا بأحد القنوات التلفزية.
يبدو أن هذه الوظيفة الإعلامية الجديدة أصبحت شغلا لكل من هب و دب يتحدث في كل شيء بعيدا عن معايير و مقاييس الكفاءة و الجودة. و كأن العملية هي مسألة سد شغور في الوقت الذي يئن فيه خريجو معهد الصحافة و علوم الأخبار من الظلم و التجاهل رغم توفر عديد وسائل الإعلام.
ال “buzz” بدل السبق الصحفي
أصحاب المؤسسات الصحفية و الإعلامية خصوصا الخاصة منها لا يهمهم إلا نسبة المشاهدة و ما يسمى بال “buzz” بدل السبق الصحفي و ثمة قناة تتصدر حسب زعمها نسبة المشاهدة تنشر الفضائح في إطار ما يسمى بالصحافة الصفراء أو paparazzi.
ما نراه الآن، منذ إنطلاق عمليات الاعتقالات و الإيقافات ضد معارضين و من توجه إليهم شبهة الفساد و التآمر خصوصا عندما كثر الكلام عن علاقة وثيقة بين أقطاب المعارضة في الداخل مع المفكر الفرنسي برنارد هنري ليفي أو كما يحلو للبعض أن يناديه ب BHL و هو المعروف بعراب أو غراب الثورات العربية خصوصا في ليبيا، نرى البعض منهم كثير الظهور و الحضور و التصريحات و التعليقات على الأحداث حتى يكاد يظن البعض و كأنه خبير في الشأن السياسي و أقصد على وجه الدقة المحامي سمير ديلو وزير سابق و عضو حركة النهضة و عضو جبهة الخلاص المعارضة وهو اليوم ناشط سياسي بامتياز يخوض معارك ضد السلطة مدافعا بثوب المحاماة عن زملائه و منتقدا هو و آخرين أمثاله تعيينات الرئيس قيس سعيد سواء ما تعلق بإقالة وزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين و تعيين السيد كمال الفقي والي تونس السابق مكانه واصفا ما يجري بالفشل الذريع و محاصرة الفكر الحر و تقليص مساحة العمل السياسي الديموقراطي داخل البلاد.
ثمة تداخل بين السياسة و الإعلام فمن عزل سياسيا من منصبه صار بإمكانه مباشرة عمل يفتح من خلال نافذة جديدة مع انصاره سيما إذا كان له رصيد طيب و زاد معرفي أو مستوى ثقافي مرموق و عادة ما كان الإعلام أو السلطة الرابعة في خدمة السياسة أو الجهاز التنفيذي هذا دون أن ننسى اليوم دور وسائل التواصل الإجتماعي التي تسمى لدى البعض بالسلطة الخامسة في التعريف بمواقف و آراء و توجهات النشطاء السياسيين.
في تونس ما بعد الثورة، شكل المحامون جهازا سياسيا و إعلاميا بمفرده و لهم وزنهم و نضرب مثالا على ذلك المحامية سنية الدهماني أو المحامي عماد بن حليمة و غيرهما. كما أن المحامية و المدونة على شبكة الإنترنيت وفاء الشاذلي تذيع الأخبار عن قرارات الرئيس قيس سعيد و عن أخطاء الإتحاد العام التونسي للشغل و عن باقي الأطراف السياسية في البلاد و لها جمهور من القراء.
إن الذكرى 67 للاستقلال فرصة لاستذكار أمجاد شعبنا و شهدائنا مثل البشير بن سديرة و محمد الدغباجي و غيرهما من آلاف الأبطال و دعوة للحفاظ على الهوية الوطنية و المكاسب و المنجزات الثقافية في عصر العولمة و ما بعد الحداثة و عصر التكنولوجيا الرقمية.
القيادة بلا رؤية و الشعب غارق في مشاكله
لكن ماذا جنى الشعب التونسي في ذكرى يوم الإستقلال في هذا الظرف بالذات ؟ لا نرى سوى ضبابية و مزيدا من الانقسام السياسي و تواترا للعثرات السياسية وسط غياب الرؤية لدى القيادة. و الشعب غارق في مشاكله في انتظار انفراج للوضع قبل يوم أو يومين من استقبال الشهر الفضيل خصوصا حالة الغلاء في الأسعار و نقص بعض المواد. رغم زيارات الرئيس المعلن عنها مسبقا أو الفجئية أيضا مثلما هو الحال أمس إلى عاصمة الأغالبة مدينة القيروان و خطاباته في كل مناسبة وطنية إلا أن المواطن ينتظر الأفعال و لا يريد مجرد الأقوال فيتساءل على سبيل المثال متى نجني ثمار المحاسبة و ما الذي سنربحه من اعتقال رجل الأعمال كمال اللطيف أو غيره!
أين مئات المليارات التونسية التي في جيوب رجال الأعمال الفاسدين و الذين تحدث عنهم عبر شاشة التلفزة و قال أن أموالهم ستذهب للاستثمار في الجهات و لكن لم نر شيئا يذكر و لماذا لا تعمم المؤسسات الناشئة Start-ups على كافة الولايات ؟!
و نختم مقالتنا بخير سار في يوم 20 مارس 2023، يتعلق بانطلاق العمل بقطار سريع يربط بين محطة برشلونة و منطقة سيدي حسين و سيقل بضعة آلاف من المسافرين مما سيخفف من أتعابهم و معاناتها اليومية على أمل أن تشمل مثل هاته الأرتال مناطق أخرى من ولايات تونس الكبرى تعاني الويلات.
كاتب من تونس.
شارك رأيك