دعونا من المسلسل ومن ردود الفعل الحينية عليه: فمن الطبيعي أن لا يكون الحكم على أي عمل فني قبل استكماله أو على الأقل قبل معرفة جزء هام منه.
ولكن من تجرأ على دراسة ما يقع حقا في معاهدنا؟ من رسم لوحة مطابقة للعنف فيها ؟من تجرأ على رسم صورة للتلاشي التدريجي لاهتمام عدد هام من التلاميذ بالدروس وبالنجاح ؟ من تجرأ على فضح عدم جدارة الشهادات بمضامينها الحقيقية؟ من تجرأ على واقع العلفة المركزة التي أصبحت تمثلها الدروس الخصوصية.
من تحدث عن تقادم مناهجنا التربوية وفقدانها لكل روح ولكل حرص على المعاصرة؟ من تجرأ على أن يقول لكثير من الأساتذة إنهم أصبحوا خارج الموضوع معرفيا ومهنيا ؟ من تجرأ على أن يقول إن برامج الأدب لم تعد تستجيب لانتظارات المتعلم ؟ من تجرأ على أن يصدع بالحقيقة ؟ من تجرأ على أن يقول إن ما وقع من تغيير غير مدروس للبنية التسييرية للمعاهد قد أعطى وضعا من الفوضى ؟ من تجرأ على أن يقول إن التلميذ التونسي يعرف ما يجري في مدارس البلدان الأخرى وأن أول ما يقوم به هو المقارنةالتي يستتنج منها دون عناء أنه بعيد عنها كثيرا وأن المقارنة معها لم تعد ممكنة؟ من تجرأ على أن يقول للسياسي :
كفى مغالطة وإيهاما بالإصلاح بتغيير الوزراء تلو الوزراء وكأن الحل بيد الوزراء ؟ من تجرأ على أن يقول للسياسي إن ما تشهده المدرسة اليوم هونتيجة فقدانها لأولويتها الاجتماعية ولصدراتها ضمن سلم الأولويات الاجتماعية والمالية والثقافية ؟ من تجرأ على أن يقول إن فرق الإشراف على البرامج أصبحت كفرق المنافسات الكروية لا تريد |إلا تسجيل الأهداف يعضها ضد بعض بل إلغاء بعضها لبعض؟ من تجرأ على أن يتحدث بجد عن المدرسة وعن الغاية التي لأجلها وجدت ؟ كفى تعاضضا وتساببا : كلما افتضح أمر المدرسة تعالت الألسن بالسباب والشتائم والعيب فينا نحن جميعا : مربين وأولياء وشبانا متعلمين ولوبيات للمخدرات تستغل دون ضمير واقعا عائليا واجتماعيا خاليا من كل شعور بالمسؤولية، وشبكات لاستغلال الشبان في شتى المآرب والأغراض. أفيقوا .. أما مسلسل سامي الفهري فهو – حسب حلقته الأولى فقط – لا يقول الحقيقة .. ولعله لا يقول حتى نصفها أو ربعها .. هذا لا يمنع من وجود مؤسسات هادئة ومنتظمة وجدية .. ولكن هل هي تمثل الأغلبية في واقعنا المدرسي اليوم ؟ ما يزعجني حقا هو غضب بعض المدرسين من صورة المدرس وصورة قاعة الاساتذة وسكوتهم عن فضائح مقايضة الأعداد بالمال في الدروس الخصوصية .. بعيني أرى ذلك كل يوم حتى مع أطفال صغار .. لكل تبريراته طبعا .. ولكن هذا لا يمنع من وجود مشكل حقيقي في المجتمع اليوم اسمه : المدرسة. على المجتمع اليوم أن يختار بين أن يشرح في العلن مضامين المجاري والمواسير التي يرقد عليها، أو أن يتركها تنفجر في وجهه يوما ما دون سابق إنذار. لست مع سامي الفهري ولا ضده. ولكني لا أريد للنفاق الاجتماعي أن يتصاعد حتى يغطي أكوام المزابل التي تكدست فيه بفعل الجهل وعدم المسؤولية وبفعل الفساد اليومي الذي جعل مستحقات المدرسة تذهب لتعويضات من لا يستحق. لنواجه مشاكلنا من أجل حلها وتجاوزها والسيطرة عليها دون خجل ولا وجل .. بكل شجاعة وبكل جرأة .. ليست المدرسة أداة لخدمة حزب أو فئة: إنها مؤسسة تساعد المتعلم على صناعة نفسه. فصناعة التلميذ لنفسه هي وحدها التي تجعله مفيدا للمجتمع ..
محمد أبو هاشم محجوب
24 مارس 2023
شارك رأيك